“الأمّة التي تتكلّم لغة غير لغتها هي مؤهلّة لفُقدان خاصيتها الإنسانيّة”

+ -

 في آخر بيان للجمعية الجزائرية للدفاع عن اللّغة العربيّة تمّت من خلاله التعبير عن كامل استنكارها لتصريح رئيس الوزراء الفرنسي “جون مارك آيروا” في زيارته الأخيرة لبلادنا، حيث أعلن أنّ الجزائر ثاني بلد فرانكفوني بطريقة استعماريّة معهودة، وقد اعتبرت هذه الجمعية الوحيدة التي بقيت تُدافع عن وجود لغة الضاد في الجزائر، أنّ هذا التصريح السياسي للوزير الفرنسي أخطر من نكتة هولاند أمام يهود فرنسا في مجلسهم التمثيليّ، وأثارت ردود فعل غاضبة في الجزائر وانتهت كما هو معلوم بمكالمة هاتفية من ساكن قصر الإليزيه بساكن قصر المرادية.وقد تواصلت الاهانات للغة الوطنية والرسمية للجزائريين مؤخرا وفي بداية هذا الأسبوع حين اجتمع وزير الخارجية رمطان لعمامرة ووزير الاتصال عبد القادر مساهل بالصحفيين في الندوة الشهريّة وقد نقلت لنا التلفزة الوطنية في نشرتها الرئيسية تدخلات “سيادة” وزيرنا للاتصال كلها بالفرنسية أمام الإعلام الوطني من مختلف المؤسسات الإعلامية، سواء جرائد أو قنوات تلفزيونية. وقد يتساءل المواطن البسيط عن جدوى إبقاء اللغة العربية والأمازيغية في الدستور كلغتين وطنيتين، في حين ولا مسؤول سواء أكان كبيرا أم صغيرا يتكلم بهما بصفة مباشرة وسليمة، وإن تكلّم بإحداهما، فقد يُنكّل بها ويدخلها غرفة الإنعاش بطريقة عاجلة تستعجل تدخلّ “سيبويه” على الفور!!وإن كان هؤلاء المسؤولون من جيل الثورة لكنّا فهمنا الأمر في سياقه التاريخي، لكن أن يكون المسؤول من أبناء الاستقلال، مثلا، ولا يُجيد اللغة التي تعلّم بها فمعناه أنّ المنظومة التربوية الوطنية والاجتماعية التي عاش في كنفها عقوداً كانت مشلولة أو لا تُؤدّي عملها بشكل جيّد، بحيث أنّ الكساح يُصيب مفاصلها وعظامها المتكلّسة، وهذا يجب أن نعترف به أمام الله وعباده. وإذاً كيف نُفسّر أنّ الجزائري البسيط صار يتكلم لغة معجونة بلا قواعد واضحة ولا ضوابط لغويّة كباقي اللغات العامية، رغم أنّنا شعب يملك لغة تعود لآلاف السنين وهي اللغة الأمازيغية بمختلف لهجاتها التي ساهمت في تطوير التاريخ الإنساني لإفريقيا كقارة عريقة بكيانها الثقافي المتنوّع، بالإضافة إلى اللغة العربية التي لو تكلمنا بها بشكل عادي سنبهر المستمعين لأنّنا نمتلك مخارج حروف سليمة لا تُزوّر الحرف بحرف آخر والدّليل آخذه من مثال إعلاميينا البازغيين في مختلف الأقنية التلفزيونية والإذاعية العربيّة في الشرق والغرب، فالمذيع الجزائري بشكل خاص والمغاربي بشكل عام مطلوب كثيرا في مختلف القنوات العربية ونجاحُه لا غُبار عليه بشهادة القاصي والدّاني وتبقى مشكلة تسويق الدراما في اللهجة الصوتية التي نُعاني من تكلسات صخورها بمختلف الحشائش الضارّة إن صحّ التعبير، وهذا راجع إلى المرض الذي نطرح أعراضه الآن.لا يُمكن أن نرض بإهانة لغتنا الوطنية والقوميّة التي شربناها مع حليب أمهاتنا بهذه الطريقة البذيئة ويجب أن يُعاد لها الاعتبار قانونا وعملا وتُحترم خاصة مع بزوغ فجر هذه القنوات الجديدة بما فيها الإعلام الحكوميّ الثقيل لأنّ هذا يذكرني بأحد الكتاب الفرنسيين الذي قال مرّة: “إذا أردنا أن نتكلم فرنسية جيدة يجب أن تتكلّم الإذاعة والتلفزة فرنسية جيدة”.. وكذلك المدرسة والجامعة ومراكز البحث العلميّ والأكاديميّ وأن تُؤسّس هويّة الإنسان الجزائريّ على لغتيه الأمازيغية والعربية في تلاحم إنسانيّ وحضاريّ لا مثيل له لأنّ ما يجمعهما كثيرٌ جدّا في الماضي والحاضر ومن يُفرّق بينهما فهو حتما يُحضّر البديل الذي هو الفرنسيّة “اللغة الغنيمة” على حدّ وصف الراحل كاتب ياسين، ولا يُمكن أن نقبل حُججاً أخرى حول وضع هذه اللغة القوميّة في حين أنّها كانت وما زالت من أغزر اللغات على الإطلاق ففي القرن الثالث عشر ألّف ابن منظور معجما سمّاه لسان العرب يحتوي وحده آنذاك على ثمانين ألف مادّة وهذا دليل على قوّة وثراء لغتنا العربيّة.نعم أنا أوافقُ تماما ما يذهب إليه الأستاذ عثمان سعدي أطال الله في عمره دائما في تدخلاته من أنّ العالم المعاصر شهد أعظم ثورتين في التّاريخ الإنساني الثورة الفيتنامية والجزائريّة ولكنّ الأولى نجحت في تحرير الأرض والإنسان في تطبيق صارم لنصيحة زعيمها هوشي منه الذي خاطب أبناء شعبه قائلا: “حافظوا على اللغة الفيتنامية كما تُحافظوا على سواد عيونكم” لكنّ ثورة أجدادنا الأبرار وبإرادة الأشرار حرّرت الأرض فقط، في حين أبقت الإنسان بكلّ ما يحمله من إرث وثقافة واستقلاليّة لسان في براثن الاستعمار الفرنسيّ في ثوبه الجديد تحت إطار القابليّة للاستعمار بمفهوم فيلسوف الجيل الرّاحل مالك بن نبيّ.     إسلام كعبش[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات