حسن الخاتمة هو أن يُوفَّقّ العبدُ قبل موته للتّقاصي (الابتعاد) عمّا يُغضب الرّب سبحانه، والتّوبة من الذّنوب والمعاصي، والإقبال على الطّاعات وأعمال الخير، ثمّ يكون موته بعد ذلك على هذه الحال الحسنة، وممّا يدلّ على هذا المعنى ما صحّ عن أنسٍ رضي الله عنه أَنّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ قال: “إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ”، قالوا يا رسولَ اللهِ: وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟ قال: “يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ”.إنّ العلامة الّتي يظهر بها للعبد حسن خاتمته هي ما يُبشّر به عند موته من رضا الله تعالى واستحقاق كرامته تفضّلًا منه تعالى، كما قال جلّ وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}، وهذه البِشارة تكون للمؤمنين عند احتضارهم، وفي قبورهم، وعند بعثهم من قبورهم.وممّا يدلّ على هذا أيضًا ما روي عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “مَن أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه، ومَن كره لقاء الله كره الله لقاءه”، فقلت: يا نبيّ الله! أكراهية الموت، فكلّنا نكره الموت؟ فقال: “ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بشّر برحمة الله ورضوانه وجنّته أحبّ لقاء الله، وإنّ الكافر إذا بشّر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه”.أمّا عن علامات حسن الخاتمة فهي كثيرة، وقد تتبّعها العلماء رحمهم الله باستقراء النّصوص الواردة في ذلك، ونحن نورد بعضًا منها، فمن ذلك: النُّطق بالشّهادة عند الموت، قال رسول صلّى الله عليه وسلّم: “مَن كان آخر كلامه لا إله إلّا الله دخل الجنّة”. ومنها الموت برشح الجبين، أي أن يكون على جبينه عرق عند الموت، لمَا رُوي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “موت المؤمن بعرق الجبين”. وكذلك الموت ليلة الجمعة أو نهارها لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلّا وقّاه الله فتنة القبر”. وأيضًا الاستشهاد في ساحة القتال في سبيل الله، أو موته غازيًا في سبيل الله، أو موته بمرض الطّاعون أو بداء البطن كالاستسقاء ونحوه، أو موته غرقًا، روى مسلم في صحيحه أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال: “ما تعدون الشّهيد فيكم”؟ قالوا: يا رسول الله، مَن قُتل في سبيل الله فهو شهيد، قال: “إنّ شهداء أمّتي إذًا لقليل”، قالوا: فمَن هم يا رسول الله؟ قال: “مَن قُتل في سبيل الله فهو شهيد، ومَن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومَن مات في الطّاعون فهو شهيد، ومَن مات في البطن فهو شهيد، والغريق شهيد”.وإنّ من الأسباب الّتي تُعين على حُسن الخاتمة، الاستقامة والالتزام بطاعة الله وتقواه والحذر من ارتكاب المحرّمات والمبادرة إلى التّوبة ممّا تلطّخ به المرء منها كبيرها وصغيرها، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلاّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}.وأن يُلِحّ المرء على ربّه بطلب حُسن الخاتمة، وقول: “اللّهمّ أَحْسِن خاتمتي في الأمور كلِّها، وأَجِرْنِي من خِزْيِ الدّنيا وعذابَ الآخرة”. وقد ذُكِر عن رجل من السّلف أنّه كان يُكثر في سجوده من سؤال الله الميتة الحسنة فتوفّاه الله وهو ساجد بين يديه. ومنها أن يعمل الإنسان جهده وطاقته في إصلاح ظاهره وباطنه وليولي إصلاح الباطن الجانب الأكبر فإنّ عليه المدار، ومتى ما علم الله منه الصّلاح والإخلاص والإقبال عليه فحاشاه سبحانه أن يخذله في آخر لحظات عمره. ومنها تغليب حسن الظنّ بالله، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “يقول الله تعالى أنا عند حسن ظنّ عبدي بي”.لكن النّاظر إلى حال بعض النّاس ليرى الغفلة المطبقة عن الاهتمام بالخاتمة الحسنة، فهناك لهوٌ ولعبٌ، وتضييع وهجران لأعمال الآخرة، مع جِدٍّ ونَصْبٍ وحرص على أعمال الدّنيا وملهياتها. فشتّان بين هؤلاء وبين المستعدّين للآخرة طول حياتهم.فمَن أراد حُسن الخاتمة فليُداوم على الأعمال الصّالحة، وليقلَع عن الأعمال السّيّئة، فإن جاءه الموت أتاه على خير حال، وانتقل إلى ربّه أحسن انتقال، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ} والمعنى: داوموا على الإسلام حتّى الموت تُقبضوا عليه.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات