عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي، رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، دلّني على عمل إذا عملته أحبّني الله وأحبّني النّاس، فقال: ”ازْهَدْ في الدُّنيا يُحبّك الله، وازهَد فيما عند النّاس يُحبّك النّاس” رواه ابن ماجه.لا شكّ أنّ لنيل محبّة الله ثمّ محبّة النّاس سبيلا وطريقا، مَن حاد عنه، خسر تلك المحبّة، ومَن سلكه فاز بها، وأنس بلذّتها. ومحبّة الخالق للعبد منزلة عظيمة، فهي مفتاح السّعادة وباب الخير، ولذلك فإنّها لا تُنال بمجرّد الأماني، ولكنّها تحتاج من العبد إلى الجدّ والاجتهاد في الوصول إلى هذه الغاية، وقد جاء في الكتاب والسّنّة بيان للعديد من الطرق الّتي تقرّب العبد من مولاه وخالقه، وتجعله أهلا لنيل رضاه ومحبّته، وكان من جملتها ما أرشد إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في هذا الحديث من التّخلّق بخُلق الزُّهد. والزهد هو قصر الأمل في الدّنيا، وعدم الحزن على ما فات منها، ولا يُفهَم منه أنّ الأخذ من طيّبات الحياة الدّنيا على قدر الحاجة يُنافي معنى الزُّهد، فقد كان من الصّحابة مَن كانت لديه الأموال الكثيرة والتّجارات العديدة، كأمثال أبي بكر الصّدّيق وعثمان بن عفان وعبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين، لكن هذه التجارات وتلك الأموال كانت في أيديهم، ولم تكن في قلوبهم، ولهذا ترى الصّحابة رضي الله عنهم في باب الصّدقة ومساعدة المحتاج والإنفاق في سبيل الله، تراهم كمطر الخير الذي يعطي ولا يمنع، ويَسقي حتّى يُشبِع. وحقيقة الزُّهد أن تَجعل الدُّنيا في يدك لا في قلبك، فإذا كان العبد مُقبِلاً على ربّه، مبتعدًا عن الحرام، مستعينًا بشيء من المباحات، فذلك هو الزُّهد الّذي يدعو إليه الحديث، وصدق بِشْر الحارث رضي الله عنه إذ يقول: ”ليس الزُّهد في الدّنيا تركها، إنّما الزّهد أن يُزهد في كلّ ما سِوى الله تعالى، هذا داود وسليمان عليهما السّلام قد مَلَكا الدّنيا، وكانَا عند الله من الزّاهدين”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات