إنّ الله جلّت قدرته قد جعل الشّمس والقمر علامة على الزّمن، فقال جلّت حكمته: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَان}، {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.قال العلماء: خصّ الله سبحانه الشّمس بالضّياء؛ لأنّه أقوى وأكمل من النّور، وخصّ القمر بالنّور؛ لأنّه أضعف من الضّياء، ولكنّه تعالى شرّكهما في معرفة حساب الأيّام والشّهور، وذلك أنّ “الله عزّ شأنه ألهم البشر، فيما ألهمهم من تأسيس أصول حضارتهم، أن اتّخذوا نظامًا لتوقيت أعمالهم المحتاجة للتّوقيت.. وأن جعلوا توقيتهم اليومي مستندًا إلى ظهور نور الشّمس ومغيبه عنهم؛ لأنّهم وجدوه على نظام لا يتغيّر، ولاشتراك النّاس في مشاهدة ذلك، وبذلك تنظّم اليوم واللّيلة، وجعلوا توقيتهم الشّهريّ بابتداء ظهور أوّل أجزاء القمر وهو المسمّى هلالًا إلى انتهاء محاقه فإذا عاد إلى مثل الظّهور الأوّل فذلك ابتداء شهر آخر.. وقد وجدوا ذلك على نظام مطّرد، ثمّ ألهمهم، فرقبوا المدّة الّتي عاد فيها الثّمر أو الكلأ الّذي ابتدأوا في مثله العدّ، وهي أوقات الفصول الأربعة، فوجدوها قد احتوت على اثني عشر شهرًا فسمّوا تلك المدّة عامًا، فكانت الأشهر لذلك اثني عشر شهرًا؛ لأنّ ما زاد على ذلك يعود إلى مثل الوقت الّذي ابتدأوا فيه الحساب أوّل مرّة، ودعوها بأسماء لتمييز بعضها عن بعض دفعًا للغلط”.وعلى ذلك فلا اختصاص لحساب الزّمن بحركة الشّمس بالنّصارى، بل إنّ الكتاب المقدّس الّذي يؤمن به النّصارى (العهد القديم خاصة) يعتمد حساب القمر في عدّ الأشهر كما هو معلوم. ولا تثريب على المسلمين من اعتماد حساب الزّمن بحركة الشّمس، ولا وجه لتحسّس بعض المسلمين من ذلك، فالشّمس والقمر آيتان من آية الله تعالى لا اختصاص لهما بأحد من خلقه. غير أنّ المعلوم المشهور أيضًا أنّ ما اصطلح عليه بالتّأريخ الميلادي نسبة إلى ميلاد السّيد المسيح عليه السّلام هو في الحقيقة لا علاقة له بالسّيد المسيح عليه السّلام، بل هو توقيت رومانيّ في أصله، يطلق عليه (التّقويم اليولياني) نسبة إلى القيصر يوليوس الّذي اعتمد هذا التّقويم بعد احتلاله لمصر الفرعونية عام 45 ق.م أي قبل ميلاد المسيح عليه السّلام [الشّهر السابع منه يسمّى يوليو نسبة إلى يوليوس قيصر، والثامن أغسطس نسبة للقيصر أوغسطس؟]، ثمّ خضع هذا التّقويم لتعديلات وتصحيحات على يد البابا غريغوريوس الثالث عشر، فنسب إليه: التّقويم الغريغوري!.وعلى كلّ فلا علاقة لهذا التّقويم بميلاد السيد المسيح عليه السّلام إلّا أوهام الباباوات وأخطاؤهم، فالنّصارى بجميع أديانهم وفرقهم مختلفون في تحديد يوم ميلاد السيد المسيح عليه السّلام كما هو مشهور عنهم. وممّا يؤكّد ذلك -أي عدم ارتباط هذا التّوقيت بالدّيانات النّصرانية وعدم ارتباطه بميلاد المسيح- أنّ الكنائس الأرثذوكسية ما زالت تعتمد التّقويم اليولياني في احتفالها بأعياد الميلاد وغيرها من الأعياد النّصرانية، ورفضوا التّقويم الغريغوري لكون واضعِه هو بابا الكاثوليك!. فاعجب لهم يختلفون في تواريخ حاسمة في مسار ديانتهم!، وإن شئت فلا تعجب، فقد اعتقدوا أنّ لله سبحانه ابنًا -تعالى الله عمّا يقول الظّالمون الجاهلون- وُلد كما يولد البشر!، ولكنّهم لم يحفظوا تاريخ ميلاده بدقّة!. واعتقدوا أنّ الله واحد في ثلاثة وثلاثة في واحد!، ومَن يعتقد مثل هذه الاعتقادات لا تهمّه دقّة الحسابات!.رغم ما سبق ذكره من أصل التّقويم الميلادي، وما شابَهُ من أغلاط، وما لحقه من تعديلات إلّا أنّ ثمّة نكتة معبّرة في الموازنة والمقارنة بين التّقويم الميلادي والتّقويم الهجري، وهي أنّ واضعي التّقويم الميلادي اختاروا له ذكرى ميلاد شخص (هو السيد الجليل الوجيه في الدّنيا والآخرة المسيحُ عليه السّلام)، فتمحوّر دينهم حول شخصيته، الّتي كذبوا عليها ما لم يكذب على أحد من العالمين!، ولكنّ واضعي التّقويم الهجري اختاروا له ذكرى ميلاد أمّة، فتمحوّر دينهم حول الكتاب الحقّ الّذي أنشأ هذه الأمّة، مع المقام المحمود الّذي خصّ له به نبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فغرقت بذلك الأمم النّصرانية في براثين الوثنية، وحقّ للعلماء العاقلين أن يصنّفوا الأديان النّصرانية في خانة الوثنية!. وسمت الأمّة الإسلامية على العالمين بتوحيد ربّ العالمين سبحانه، فهي الأمّة الموحّدة الوحيدة على هذه البسيطة.* إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات