كنت متأكدا من أن المناظرة الرئاسية سترفع من منسوب مقاطعة الشعب لهذه الانتخابات، لكنني لم أكن أتوقع أن يكون البله السياسي والإعلامي في هذه المناظرة سيبلغ هذا المستوى القياسي:1- من الناحية الشكلية ظهرت المناظرة كأنها مسابقة بين تلاميذ في برنامج بين الثانويات، حيث يتنافس الطلاب على الإجابة في سياق المقرر الدراسي الواحد، تماما مثلما ظهرت المناظرة بين المرشحين، وخاصة في الإجابة عن السؤال الأول حول الدستور، فالكل يريد نظاما شبه رئاسي في الدستور القادم، أي نفس النظام البوتفليقي وما قبله، حتى بن فليس رجل القانون قال: إنه سيمكن الشعب من وضع دستور ولكنه حدد للشعب نوعا ومحتوى هذا الستور وهو النظام الرئاسي... لا يا سيدي، الشعب حر في أن يختار نوع النظام الذي يريده ولا تحدده أنت مسبقا، فإذا أراد الشعب أن يبني نظاما برلمانيا أو ملكية فله ذلك وهو السيد... وأنت لا تحدد له ما يريد لأنه هو صاحب السيادة.2- وأشفقت فعلا على الزملاء الصحافيين في هذه المناظرة! هل يقبل صحفي أن يكرر سؤالا واحدا 5 مرات بنفس الصيغة.! فإذا كان المرشحون على هذا المستوى من البله فمن المفروض أن لا يقع الصحافيون في هذا الإسفاف الإعلامي، فضلا عن أن ترديد السؤال خمس مرات 14 مرة معناه ضياع حوالي ساعة كاملة من البرنامج في عملية طرح الأسئلة، وهي عملية بليدة إعلاميا لا يمكن أن تقع حتى من المبتدئين في الإعلام؟!زيادة على سوء تقسيم الوقت.. فالسؤال الذي يطرح عن الاقتصاد من البله الإعلامي أن يكون وقت الإجابة عنه يتساوى مع سؤال حول حقوق الإنسان؟!وقد بات واضحا أن المتناظرين قد اطلعوا على الأسئلة قبل أن يدخلوا المناظرة، وهي عملية بليدة من وجهة نظر الإعلام الحقيقي! وقد بات واضحا أن هؤلاء المترشحين والسلطة المستقلة ورجال الإعلام عجزوا حتى عن تنظيم مناظرة مقبولة، فكيف ينظمون بلدا؟3- بله المناظرة ظهر جليا في ثلاث قضايا... فقد تحدث المتناظرون عن الاقتصاد ولم يذكر ولا واحد منهم مسألة قابلية الدينار للصرف، وهي المعضلة التي تواجه الاقتصاد الجزائري منذ الأزل وتتسبب في الاضطرابات الاقتصادية التي تعرفها البلد وحتى الآن.. والمسألة الثانية هي تزوير الانتخابات.. فكل المترشحين سلموا بأن التزوير الذي تقوم به الحكومة عبر أجهزتها أصبح قدرا محتوما وتجب محاربته بالناخبين وبالسلطة المستقلة.. ومعنى هذا الكلام بقاء حكومة التزوير والفساد، وهو بله سياسي واضح، فالمطلوب هو تغيير حكومة الفساد والتزوير بحكومة مغايرة وليس تقوية الأجهزة التي تحارب فسادها؟! والمسألة الثالثة هي إعادة صياغة الحياة السياسية في البلاد، فكل المتناظرين أجمعوا على أن الأمر يتعلق بقانون الانتخابات، في حين أن القضية تتعلق بأحزاب موصلة للسلطة وليس أحزابا مؤيدة للسلطة كما هو الحال اليوم.4- الشيء الطريف في هذه المناظرة هو السؤال الأخير والبليد أيضا، وهو السؤال الذي يتحدث عن أن الحراك أعطى درسا لمحترفي السياسة.. فالسؤال كان غاية في البله... والإجابة كانت غاية في لغة الخشب؟ فكيف يعاب الاحتراف السياسي؟ والحال أن الاحتراف في الرياضة جيد؟! ثم إن الحراك أعطى درسا للاستبداد والفساد وليس لمحترفي السياسة، لأنه لا يوجد عندنا محترفو السياسة؟! فلو كان عندنا محترفون في السياسة هل كان يحدث في البلاد ما يحدث؟!والخلاصة أن المناظرة كانت مهزلة أخرى سترفع منسوب المقاطعة للانتخابات أكثر من الدعوة للانتخابات[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات