إنّ ازدياد نسب القتل في المجتمع الجزائري، مؤخّرًا، لتنذر بخطر مدمّر يتهدّد كيانه وأمنه، وإنّ جرائم بشعة يتعرّض لها المواطن الجزائري في كلّ يوم دون رادع قانوني أو خوف من الخالق سبحانه، جرائم يومية تهزّ ضمائر النّاس ويدمي ألمها القلوب.فما سبب هذه الجرائم الموغلة في التوحّش؟! وما الحلّ كي نحدّ من هذه الظاهرة الغريبة عن قيمنا وعاداتنا وتعاليم ديننا الحنيف؟!إنّ أسباب متداخلة معقّدة أدّت جميعها إلى انتشار كبير لهذه الجرائم؛ ومن أهمّها ظاهرة انتفاء الوازع الذاتي، بسبب سقوط القيم الإنسانية النّبيلة في أعين الكثيرين، وشعور البعض الآخر بالإفلات من العقاب الصّارم. كما للمخدّرات والمسكرات وانتشارها دور كبير في أسباب الجريمة، وبخاصة لمّا تواطأت الحكومات المتعاقبة مع المهرّبين لها. إلى جانب فساد المنظومة التّعليمية القائمة على التوجّس من كلّ نَفَس ديني، واستفحال التسيّب من ربقة التّقاليد الصّارمة في هذا الباب، لمحاربة الإرهاب في زعمهم، وبحجّة الخوف من الوقوع في الأدلجة الإرهابية. وكذلك اختراق المجتمعات مع تساهل تدريجي من النّاس مع العادات الغريبة عنها، ومنها عادات الخمور والعربدة، وهتك ستر الحشمة والتحفّظ. بالإضافة إلى تضييع الانتماء للقيم والعادات المحلية، وفقدان بوصلة الاستقامة، ونكد العيش في ظلّ التّقليد الأعمى الأصمّ لكلّ وارد، وفتح الباب أمام من هبّ ودبّ لنشر الفساد والرذيلة والرّداءة بحجّة الحداثة المتعفنة..لقد بيَّن لنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أَنَّ الإجرام سببه نقص الإيمان؛ ولهذا قال رسول الله عليه الصّلاة والسّلام: “لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِن”.فمن أسباب الإجرام أن يغفل الإنسان عن الله تبارك وتعالى لحظة ارتكاب الجريمة، فتغلبه شهوته فيقع فيما حرّم الله عليه لا نكرانًا ولا جهلًا، ولكنّه يفعل ذلك غفلة ونسيانًا؛ فتزدريه النّفس الأمَّارة بالسّوء، ويقوده الشّيطان الّذي لا يقوده إلّا إلى ما يهلكه، وحينئذ يتّبع هواه فيتردى في الوحل وينساق وراء الشّهوات، فيكون كالحيوان البهيمي ينساقُ وراء شهواته وجرائمه.لقد حرص ديننا الإسلامي على مكافحة الجريمة لأنها سلوك شاذ، يهدّد أمن الأفراد، واستقرار المجتمعات، ويقوّض أركان الدول والبلاد. وأحكام شريعتنا الغرّاء بعدلها القويم ومبادئها الشّاملة تدور حول صيانة الضّرورات الأساسيَّة الّتي لا يستطيع الإنسان أن يستغني عنها، ويعيش بدونها، وقد وضعت في سبيل المحافظة على هذه الكلّيات عقوبات زاجرة وأليمة لكلّ مَن يتعدَّى عليها وينتهك حرمتها.والعقوبات الشّرعيّة هي عقوبات رادعة، وهي خير من أن يودع هؤلاء المجرمون في السجون؛ للتعوُّد على الجريمة والازدياد من الخبرة فيها، ولينفق عليهم من النّفقات الطائلة، ويقام عليهم الحراس الّذين يأخذون الرّواتب الباهظة، دون أن يرتدعوا ودون أن يتعلّموا ويتعلّم من سواهم ضرر جريمتهم، وهذه العقوبات تعرف باسم “الحدود” و«التّعزيرات”، وهذه الحدود تمنع الجرائم، وتردع المجرمين عن اقترافِ الجرائم. يقول تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُم القِصَاصَ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالحُرِّ والعَبْدُ بِالعَبْدِ والأنْثَى بِالأنْثَى}، إلى أن قال: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}، وهذه العقوبة مقرّرة في جميع الشّرائع الإلهيَّة، فالقاتل يُقْتَل، ومادام قد تعمَّد إزهاق روح برئ فإنَّ إفقاده الحياة قصاص عدل، ولا مكان لطلب الرّحمة به.والقصاص حياة للطرفين: حياة للّذي يريد القتل؛ لأنّه إذا تذكَّر أنّه سيقتل لن يقدم على القتل، وكذلك فالقصاص حياة للمقتول الّذي كان سيقتل؛ لأنّ قاتله إذا علم أنّه سيقتل به لم يقتله، ففيه حياة للطرفين معًا.ولم تفرّق الشّريعة بين نفس ونفس، فالقصاص حقّ، سواء أكان المقتول كبيرًا أم صغيرًا، رجلًا أم امرأة، فلكلٍّ حقُّ الحياة، ولا يحلّ التَّعرّض لحياته بما يفسدها بأيّ وجه من الوجوه، وحتّى في القتل الخطأ، لم يَعْفِ الله تعالى القاتلَ من المسؤوليَّة، وأوجب فيه العتق والدية، فقال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا}. فشرَّع الإسلام القصاص في القتل لمكافحة جريمة القتل؛ لأنَّ الإنسان لو علم أنَّه سيُقتَل في تلك الجريمة الشّنعاء لما أقدم عليها، ولتردَّد في فعلته هذه وأحجم عنها، فالإسلام ما شرَّع الحدود والعقوبات إلّا لمكافحة الجرائم، وليس تشوّقًا إلى القتل والدّماء كما يريد أن يصوّره مَن يكره الإسلام والمسلمين.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات