+ -

 أفارقة وسوريون وعرب من أجناس مختلفة يجوبون شوارع مدننا.. متسولون يبحثون عن لقمة عيش للبقاء على قيد الحياة.. تبدو الصورة نمطية إلى حد أننا اعتدنا النظر إليها كجزء لا مفر منه من صورة الجزائر الرديئة في هذا العصر.. لكنها في الحقيقة صورة دامية من الناحية الإنسانية، فالتسول هو أسوأ وضع يجد الإنسان نفسه فيه فاقدا كرامته وخائفا دوما على حياته، ومعرضا دوما للامبالاة الآخرين، وكأنه إنسان أقل.بغض النظر عن العواطف، هناك طرق عديدة لتسيير هذه الظاهرة التي تعرفها بلدان أوروبية وعربية كثيرة، فترك الناس يتسولون بهذه الطريقة عيب. وعيب أكثر أن لا نتحكم في تنظيم هذه الهجرة الجماعية إلى بلدنا، والتعامل مع المهاجرين بإنسانية، وحسب الأعراف الدولية والأخلاق الاجتماعية لمجتمعنا. لقد انتقد البعض نوعية البشر الذين هاجروا إلى بلدنا، بل اعتبرهم البعض للأسف “حثالة” تلك المجتمعات، لا يضيفون لمجتمعنا سوى صورة مشوّهة عن الواقع الجزائري، على عكس المهاجرين إلى أوروبا مثلا من الكفاءات والخبرات والذين تستغلهم تلك الدول في تطورها وازدهارها..أعتقد أن النظر للموضوع من هذه الزاوية هو أيضا عيب وعار علينا. فهؤلاء بشر هاربون من حروب وجوع بلدانهم، وبما أنهم عبروا الحدود فقد أصبحوا ضيوفا عندنا، وعلينا أن نتكفل بهم أو نعيدهم إلى بلدانهم، إن كان ذلك ممكنا، بكرامة وتفهم.الجزائر، للذين لا يعرفون، كانت دوما محل هجرات جماعية من دول الجوار، وعلى حدودنا آلاف مخيمات اللاجئين، ويكلفون الخزينة العمومية سنويا مبالغ معتبرة، كل ذلك كان يتم بعيدا عن الأنظار، في الولايات الحدودية غالبا، وفي مخيمات منظمة متحكم فيها صحيا ومعيشيا وإدارة، لكن منذ سنوات قليلة ترك الحبل على الغارب، وانفلتت الظاهرة من أيدي المسؤولين، ربما عن قصد كما يقول البعض، لبعث رسالة إلى الجزائريين أنهم هم أيضا معرضون للتسول مثلهم لدى شعوب العالم إن حاولوا زعزعة النظام! تفوه، تفكير أعور.. هذه الظاهرة دليل على أن السلطة الحالية غير قادرة على تسيير شؤونها، فقط ببساطة، وإلا كيف نفهم هذا الانفلات الخطير في الظاهرة. نعم نقول إنه انفلات خطير، ويشكل خطرا على حياة وصحة الجزائريين، بل وعلى مشاعرهم أيضا.لقد أصبحت شوارع مدننا صورة بائسة لدولة متخلفة، حيثما اتجهت ترى مناظر قاسية يزيدها المتسولون ألما على ألم. ونعتقد أن من واجب الدولة أن تتكفل بجدية في الحد من هذه الظاهرة، ورجاء لا يقول لي أحد: على هذه الدولة أن تتحكم في المتسولين من رعاياها قبل أن نطالبها بالتحكم في المهاجرين!؟ الفشل عام والكسل عن الاجتهاد خلق في هذا النظام، ولكن البشر لا يمكن أن نعاملهم كحثالة إلا إذا سال على أيديهم دم الجزائريين..

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات