+ -

 التمست بعض القلق لدى الصحفيين الشباب على كيفية التعامل مع الأخبار والصور التي تتدفق عبر مواقع الشبكات الاجتماعية، وقد تشاطرهم في ذلك السلطات العمومية. وإن كان قلق هذه الأخيرة مفهوما إلى حد كبير لأنها فقدت الرقابة بهذا القدر أو ذاك، على مضمون ما تتداوله هذه المواقع، واقتنعت أن أساليبها الكلاسيكية للتحكم فيما ينشر لم تعد نافعة في هذه المواقع، فقلق هؤلاء الصحفيين بحاجة إلى توضيح لأنه ناجم عن صعوبة العثور على إجابة مناسبة وموفقة عن الأسئلة التالية: هل يمكن الاعتماد على مواقع الشبكات الاجتماعية كمصدر إخباري علما أنها تطفح بـ”الذاتيات” وتتضمن الكثير من المزاعم والشائعات؟ هل تنعزل الصحف ووسائل الإعلام “التقليدية” عن بيئة الإعلام والاتصال المعاصرة، وتنأى عن جمهورها إن استبعدت الأخبار التي تتداولها هذه المواقع؟ فالكثير من المسؤولين على أعلى مستويات الدول الأجنبية أصبحوا يعلنون عن القرارات الهامة التي يتخذونها، ويعبرون عن مواقفهم من القضايا الحساسة عبر هذه المواقع، خاصة موقعي شبكة تويتر والفايسبوك. وعدد الذين يطلعون على أخبار هذه المواقع ما انفكّ يتزايد باستمرار، ويكتفي بعضهم بها دون الالتفات إلى وسائل الإعلام “التقليدية”، ويلجأ بعضهم الآخر إلى هذه الوسائل سواء للتأكد من صحة ما اطلع عليه من أخبار لأنه يعتبرها مصدر الصدق والموضوعية، أو للبحث عن تفاصيل أكثر أو لإدراك السياق الذي جرت فيه الأحداث التي تناقلتها هذه المواقع. قد يستنكر البعض هذا القلق بحجة أن بعضا مما تنشره بعض وسائل الإعلام “التقليدية”، وخاصة الصحف، لا يستند إلى مصدر، وبهذا فإنه يقترب كثيرا من بعض الأخبار التي تتداولها مواقع التواصل الاجتماعي ومن الشائعة.ويحاول البعض أن يتفهم مصدر القلق الذي ذكرناه آنفا بالنظر إلى ماضي الممارسة الصحفية، إذ يعتقد أن الكثير من وسائل الإعلام كانت لا تنشر من الأخبار سوى تلك التي تصدر عن مصدر رسمي، بل لا تتحرك ولا تنزل إلى الميدان، في كثير من الأحيان، من أجل البحث عن الأخبار واستقائها لأنها كانت تصل إلى قاعات تحرير الصحف في شكل بيانات رسمية أو ترسلها وكالات الأنباء جاهزة للنشر. ويمكن أن نذكر، من باب التوضيح وليس التنكيت، حدثين على الأقل في تاريخ الصحافة الجزائرية يتذكرهما جيل الصحفيين القدماء بنوع من المرارة. الحدث الأول يتعلق بانفجار قنبلة يدوية الصنع أمام مقر صحيفة المجاهد اليومي، في جانفي 1976. لقد نشرت الصحيفة المذكورة خبرا عن هذا الحادث في طبعتها التي صدرت في اليوم الموالي نقلا عن وكالة الأنباء الجزائرية دون أن تتجرأ وتذكر ما أصابها من أضرار مادية! والحادث الثاني يتعلق بالزلزال العنيف الذي ضرب الجزائر العاصمة في نوفمبر 1987 وأثار ذعرا في أوساط سكانها، بمن فيهم صحفيو جريدة الشعب، بيد أن هذه الصحيفة نشرت خبرا عن هذا الزلزال استنادا إلى وكالة الأنباء الجزائرية التي من المحتمل أن تكون قد نقلته عن وكالة الأنباء الفرنسية!تخوّفت بعض الكتابات الأجنبية على الصحافة من أن تُحَوّلها شبكة الأنترنت ومواقع الشبكات الاجتماعية إلى صحافة “جالسة”؛ أي لا تتحرك وتنتقل للقاء الواقع لقاءً مباشرا، وتكتفي بالأخبار الطافحة من الشاشات المختلفة: شاشة الكمبيوتر، شاشة الهاتف الذكي، وشاشة اللوح الإلكتروني. ولا أرى مبررا لهذا التخوف أصلا في مجتمعنا نظرا للتقاليد الصحفية التي ذكرناها أعلاه. إذا لا ضرر من إطالة جلوس صحافة ظلت “جالسة”.إن الصحفيين الذين لا يملكون تقاليد التقصي عن مصادر الأخبار ومقارنتها ومحصها، ويفتقدون الأدوات التي تسمح لهم بالتأكد من صحتها وواقعيتها، يتعبون كثيرا في التعامل مع الأخبار السارية في مواقع الشبكات الاجتماعية. فإذا تعاملوا معها بما يملكون من خبرة الإعلام المُوَجَّه وتقاليد الصحافة “الجالسة”، فإنهم يتحاشونها أو ينشرونها كما وردت دون أي جهد في البحث عن مصداقية مصدرها.إن الميديا المعاصرة تسعى، جاهدة، إلى إحداث انقلاب كبير في قواعد العمل الصحفي. إنها تعمل على بث الأخبار ونشرها أولا، ثم التأكد من صحتها وصدقها بعد النشر، وهذا يخالف قاعدة العمل التي رسخت في قاعات التحرير وسائل الإعلام التقليدية، التي تمنع نشر أي خبر قبل التأكد من صحته، لذا نجد أن وسائل الإعلام “التقليدية” تجتهد في ابتكار أساليب ذكية لتحري صحة ما تنشره من أخبار مستقاة من مواقع الشبكات الاجتماعية دون التفْريط في آنية الأخبار وسرعة نشرها أو بثها. www.nlayadi.com

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات