التوافق.. أو “حرب الكل ضد الكل”؟!

+ -

 لعل السؤال الأكثر ترددا هذه الأيام هو: هل حان وقت انتهاء مرحلة الانسداد السياسي؟ ولكن هناك أسئلة كثيرة أخرى مرتبطة بهذا السؤال ومنها: هل يمكن تجاوز الانسداد الحالي من دون انهيار للسلطة وتفكك للدولة ومن قيام “حرب الكل ضد الكل”؟الواقع في مثل النظام القائم في بلادنا كل شيء ممكن. ولأن الأمر متصل في الغالب بتدافع أفراد ومجموعات مصلحية وليس متعلقا بآليات إدارة سياسية ولأن الأمر لا يخضع لا للاعتبارات الدستورية ولا حتى للمنطق، فإن كل شيء ممكن.البعض يتوقف، في محاولة فك طلاسم الوضع، عند محاكمات الطريق السيار والخليفة وسوناطراك 1 وعند كل أبعاد وخلفيات الفساد، ويتوقف عند هذا الركود الملموس وعند التوقف الكلي عن الحديث عن استكمال عملية تعديل الدستور ويتوقف عند الكلام عن عودة أحمد أويحي على رأس حزب التجمع الوطني ويتوقف عند صراعات حزب جبهة التحرير وما سوف تنتهي عليه، ويتوقف عند مضاربات كثيرة أخرى عن صحة الرئيس وحتى عند زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند المحتملة منتصف الشهر المقبل، ولكن كل ذلك قد يكون “تأثيثا” للوضع وليس بالضرورة عناصر تفسير له.ولعل السؤال الجوهري هنا: ما الذي يمكن للمجموعة الحاكمة اليوم أن تنتجه من حلول؟ ما هي البدائل الممكنة أمامها فعليا؟المنطق يقول: لو كان غير هذا الوضع ممكنا ومريحا للمجموعة الحاكمة لما قام هذا الانسداد الخانق. فالعهدة الرابعة لم تكن حلا، لقد كانت عجزا وانسدادا وانعداما للقدرة من قبل كل الفاعلين، على اتخاذ قرار. مجلس الوزراء لا يجتمع والتعيين في الكثير من المناصب الشاغرة متوقف وتعديل الحكومة، الذي أعلنته أطراف تحسب أنها امتدادات سلطوية، لم يتم، فضلا عن كل الكاكوفونيا السياسية القائمة وعن كل المضاربات المتواصلة.في المعادلة أطراف أساسية، صرنا لا نستطيع تقدير حجم دور كل منها وقوته وحتى قناعته أو مصلحته، الرئاسة والجيش والأمن والمصالح التجارية والمالية والخارج.وقد يكون الانسداد والعجز تعبيرا عن عدم ميل ميزان القوة لطرف بعينه، أو لكون كل الأطراف تملك قدرة إزعاج باقي الأطراف وتملك قدرة على إبطال مفعول الأوراق الرابحة في يد كل طرف منها.إن “الدولة العميقة” أي أساسا الجيش بكل مكوناته، لم تعد، على ما نستنتج، تملك القرار لوحدها أو أنها أبعدت تماما عن القرار، أو أنها فقدت القيادة أو فقدت الانسجام بين قادتها.إن التركيز على الأسماء، الرئيس بوتفليقة، السعيد بوتفليقة، الفريق ڤايد صالح، الفريق توفيق، وأصحاب المصالح الضخمة المرتبطة، لا يقدم صورة صحيحة وكاملة بل يقدم مؤشرا، ربما مهما ولكنه غير كاف، في الغالب لقراءة وتفسير الوضع. فكثيرا ما تكون المؤشرات غير المنظورة أهم في تفسير المنظور من معطيات الوضع.في كل الأحوال إن فشلت النخبة الحاكمة في إيجاد مخرج للانسداد القائم، فإنها ينبغي أن تعمل في كل الأحوال على تفادي أن يتحول فشلها إلى كارثة وطنية تنتج الدولة الفاشلة المتفككة. ولكن ذلك قد لا يكون فعلا إراديا بل مجرد نتيجة لتفاعل مكونات الوضع ومعطياته. فالانسداد في وضع سماته الأساسية العجز والركود، وسماته الرداءة المقرفة والفساد العميق وغياب ساحة سياسية ضاغطة فعلا وغياب مجتمع مدني فاعل ومؤثر، يصبح حالا قابلة للانفجار وقابلة على إنتاج الانهيار.إن طلاسم الخارج قد يكون من المفيد عدم تعقيدها، فالخارج تهمه مصالحه الآنية والمستقبلية وقد لا يهمه من يحكم بقدر ما قد يهمه أن يكون الجميع ضعيفا أمام مصالحه وأن يكون الكل ضعيفا يستنجد بسنده، وعندما ندرك أن كل الأطراف تفتقد للشرعية وتفتقد لسند اجتماعي حقيقي منظم وفاعل، حتى وإن كانت لديها قدرة على التلاعب بمكونات اجتماعية كثيرة خاصة بالإغراء المادي وغير المادي، فإن المشكلة تزداد تعقيدا وتصبح حالا تخدم المصالح الخارجية.ولكن مع ذلك، فإن كل شيء ممكن. ممكن الوصول إلى توافق سياسي داخل السلطة، لأنه من دون وجود توافق بين أطراف السلطة لا يمكن قيام توافق سياسي وطني، ولا يمكن إنتاج حل ولا يمكن منع سير الأمور نحو التدهور. وممكن أيضا أن لا يحدث التوافق، وحينها تأتي احتمالات أخرى، طرف يضعف باقي الأطراف أو تأتي “حرب الكل ضد الكل” كما يسميها ابن خلدون وتوماس هوبس. ربي يستر.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات