أخرج الإمام ابن ماجه في سننه من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “ألَا أنبئكم بخير أعمالكم، وأرضاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذّهب والورق، ومن أن تلقوا عدوّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم”؟ قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: “ذكر الله”.أعمال البرّ كثيرة، والطّاعات وفيرة، غير أنّ بعضها أصعب من بعض، فهناك عبادة أسهل من أخرى وأيسر، ومع ذلك فإنّ كثيرًا من المسلمين يقصّرون فيها، ومن بين هذه العبادات ذكر الله سبحانه من تسبيح وتهليل وتكبير وحوقلة، ودرس علم، وأمر بمعروف أو نهي عن منكر: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُم}، فبذكر الله نجى الله موسى وهارون من بطش فرعون: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} أي: لا تفترا ولا تضعفَا عن ذكري، وبالذِّكر نجّى الله يونس عليه السّلام من بطن الحوت وهو في ظلمات ثلاث: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}.واعلم رعاك الله أنّ ذِكْرَ الله تعالى خير الأعمال عند الله وأرضاها عنده، وأنّه سبحانه يعوّض العاجزين عن قيام اللّيل قيامهم، ويعوّض البخلاء بأموالهم أن ينفقوها: “مَن عجز منكم عن اللّيل أن يكابده، وبخل بالمال أن ينفقه، وجبن عن العدوّ أن يجاهده، فليُكثِر من ذِكْر الله”، بل مَن أراد أن يكون من المفرِّدين السّابقين، فليكثر من ذِكر ربّه سبحانه؛ فعند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسير في طريق مكّة، فمرّ على جبل يقال له: جُمْدان، فقال: “سيروا هذا جُمْدان، سبق المفردون”، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: “الذّاكرون الله كثيرًا والذّاكرات”.وإن أردتَ أيّها الفاضل أن تكون من الّذين يُباهي الله بهم ملائكته، فالْزِم ذكر ربّك آناء اللّيل وأطراف النّهار، ففي الصّحيح عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال: خرج معاوية على حلقة في المسجد، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نَذْكُر الله، فقال: آلله ما أجلسكم إلّا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلّا ذاك، قال: أمّا إنّي لم أستحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أقَلّ عنه حديثًا منّي، وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج على حلقة من أصحابه فقال: “ما أجلسكم”، قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومَنَّ به علينا، قال: “آلله ما أجلسكم إلّا ذاك”؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلّا ذاك، قال: “أما إنّي لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنّه أتاني جبريل فأخبرني أنّ الله عزّ وجلّ يُباهي بكم الملائكة”.إنّ الأعمال المُنْجية من عذاب الله كثيرة، وأسهلها وأيسرها ذِكْر الله: “ما عمل امرؤ بعمل أنجى له من عذاب الله عزّ وجلّ من ذكر الله”، وإن كثُرَت عليك أحكام الدِّين، وتزاحمت عليك شرائع الإسلام فلم تستطع أن تدركها كلّها، فأكثر من ذكر الله، فعن عبد الله بن بُسْر رضي الله عنه أنّ رجلًا قال: يا رسول الله، إنّ شرائع الإسلام قد كَثُرت عليّ، فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: “لا يزال لسانك رَطْبًا من ذِكْر الله”.والذّاكرون الله بإخلاص تناديهم الملائكة في ختام مجالسهم، وتبشّرهم بمغفرة الذنوب، وتبديل سيّئاتهم حسنات: “ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله لا يريدون بذلك إلّا وجهه إلّا ناداهم مناد من السّماء أن قوموا مغفورًا لكم قد بدّلَت سيّئاتكم حسنات”، وشتّان شتّان بين مجلس كلّه غِيبة ونميمة، وسبّ وشتم، وطعن وقذف، وبين مجلس كلّه ذِكر وتسبيح وتهليل وتكبير الله: “لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتّى تطلع الشّمس، أحبّ إليّ من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشّمس أحبّ إليّ من أن أعتق أربعة”.ومن هنا كان لـمجالس الذِّكْر تلك المكانة السّامية، والفضل العميم، والغنيمة العظيمة ما ليس لغيرها، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنها قال: قلتُ: يا رسول الله ما غنيمة مجالس الذِّكر؟ قال: “غنيمة مجالس الذِّكْر الجنّة الجنّة”.*إمام مسجد عمر بن الخطاب –بن غازي - براقي
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات