يحيى الفلسطينيون في الوطن والشتات اليوم الجمعة ذكريات النكبة الفلسطينية الـ67 التي حلت على الشعب الفلسطيني عام 1948، وسط فعاليات شعبية وجماهيرية للتأكيد على حق العودة، ولتجديد العهد والوصية من الأجداد إلى الأحفاد. أكدت شخصيات ومؤسسات فلسطينية أن عودة اللاجئين حق مقدس لا يمكن التنازل عنه، وقالت اللجنة الوطنية العليا لإحياء ذكرى النكبة: “إن الجماهير الفلسطينية في كل مكان تحيي الذكرى السابعة الستين لهذه النكبة مستذكرة ما نتج عنها من واقع عنوانه الشتات والتشرد والمعاناة المتواصلة التي يرزح شعبنا تحت وطأتها منذ عقود”. وأضافت اللجنة، في بيان وصل “الخبر” نسخة عنه، إن هذا الواقع المؤلم ترك بصمات حزينة ومؤلمة على جبهات الزمن لكنه لم يغير من إرادة شعبنا الفلسطيني، معلنة انطلاق صفارات الحداد اليوم الجمعة تعبيرا عن الحداد على كل ما حصل للشعب الفلسطيني.ودعا “ائتلاف شباب الانتفاضة في فلسطين” إلى المشاركة في مظاهرات حاشدة تنطلق اليوم الجمعة، ضمن فعاليات يوم الغضب، لإحياء ذكرى النكبة. وأكد الائتلاف، في بيان صحفي وصل “الخبر” نسخة عنه، أن حق العودة هو حق فردي وجماعي غير قابل للتصرف، ومقدس ليس من حق أحدٍ التنازل عنه.وفي السياق، تعددت المخططات الإقليمية والدولة الرامية إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين، عقب قيام “الكيان الإسرائيلي” باحتلال فلسطين وطرد سكانها سنة 1948، وبرزت أطروحات ومشاريع تراوحت بين الأربعين والخمسين مشروعا، لإبقاء هؤلاء المهجرين خارج فلسطين، إلا أن الفشل غلب عليها، وإن استمر الجدل قائما بشأن بعضها.وفي أراضي 48 يميل فلسطينيو الداخل المحتل، أكثر فأكثر، إلى التشديد على هويتهم الفلسطينية في مواجهة تصاعد قوى اليمين المتطرف في إسرائيل والقوانين العنصرية، وازدياد جرائم الكراهية التي ينفذها متطرفون يهود أو جماعات “تدفيع الثمن”.واستعرضت رئيس الإحصاء الفلسطيني، علا عوض، في تقرير موسع، أوضاع الفلسطينيين من خلال الأرقام والحقائق الإحصائية عشية نكبة فلسطين. وأوضحت الإحصاءات أن النكبة شرّدت نحو 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم إلى الضفة الغربية والقطاع والدول العربية. وتشير البيانات إلى أن الاحتلال الإسرائيلي سيطر خلال مرحلة النكبة على 774 قرية ومدينة، دمر 531 منها، واقترفت العصابات الصهيونية أكثر من 70 مذبحة ومجزرة، أدت إلى استشهاد أزيد من 15 ألف فلسطيني خلال فترة النكبة. وقدر عدد الفلسطينيين نهاية 2014 بحوالي 12.1 مليون نسمة، وهذا يعني أن عدد الفلسطينيين في العالم تضاعف 8.6 مرة منذ أحداث النكبة. اللاجئ الفلسطيني الحاج عبد الرحيم الكحلوت يروي لـ”الخبر” ذكريات النكبة“هاجرت إلى الجزائر لأنه بلد كريم وأهله طيبون”حدثنا عن بداية حياتك وعن بلدتك التي هجّرتم منها؟ أنا عبد الرحيم الكحلوت لاجئ فلسطيني من بلدة نعليا وهي تابعة لقضاء غزة، وتبعد مدينة نعليا عن المجدل حوالي ثلاثة كيلومترات. لا زلت أرى بيت طفولتي في نعليا أمام ناظري يتجلى، وأتذكر أشجار التوت والعنب في أرض والدي، وأشم رائحة أزهار البرتقال المنتشرة في البيارات. وأقسم باللّه، نعليا حق من حقوقنا وسنعود.كيف كانت اللحظات الأولى لتهجيركم من بيوتكم رغما عنكم؟ وصلت إلينا أخبار مذبحة دير ياسين، لحظتها انطلقنا قاصدين هربيا، هرباً من وجه الموت المحتم، ولم نطل المقام فيها إذ عاد بعضنا أدراجه بعد يومين ليرى ما حصل فيها، فوجدناها لا يهود فيها ولا عرب، إلا بضع شيوخ وأسر دمرت بيوتهم، منهم من خرج منها سالما ومنهم من انهارت فوق رأسه، لم نستطع البقاء فيها خوفا من عودة المحتل الغاشم، فحملنا شيئا من متاعنا وعدنا إلى هربيا على أمل أن نعود كما قالوا لنا.لكن هل كنتم مصدقين أنكم ستعودون خلال شهرين؟ تعلقنا بالكذبة الساذجة، يا حسرتاه على أمةٍ انطلت عليها الكذبة، أمة مازالت تنتظر انقضاء الشهرين.صف لنا لحظات المسير إلى غزة، وكيف وصلتم إليها؟ استمر زحفنا على أقدامنا ليل نهار إلى أن وصلنا على جباليا بغزة، دون أن نرى في طريقنا خيال جندي يهودي، ونمنا هناك في كرم عنب مفترشين الأرض وتغطينا السماء، وطلع الصبح ليبني لنا والدي “خصّ” من السعف رافضاً الانصياع لأوامر صاحب الأرض بمغادرتها، وسكنّاها شهرا إلى أن منّ اللّه علينا بالعثور على صديق لوالدي وآوانا مع سبع أسر أخرى في “تخشيبة” بناها لنا بجوار بيته في حي الدرج.هل لك أن تعطينا فكرة عن أنشطتك بعد استقراركم في غزة؟تحصلت على الثانوية العامة وكذلك زوجتي أم عصام، ورزقت بولد أسميته عصام قبيل وفاة والدي رحمه اللّه بأشهر، وعملت مع أخي في معمل للأسنان، ثم انضممت لجيش الشقيري، ورزقت بطفلة قبل حرب النكسة.هل شاركت في الحروب ضد إسرائيل مع قوات منظمة التحرير؟شاركت في الحرب، وأسرت مع غيري عند اليهود لأيام سوداء ثلاثة، قبل أن نرحّل إلى مصر، وهناك أعيد تدريب جنود جيش الشقيري في معسكرات تابعة لمنظمة التحرير، وشاركوا مجددا في حرب الاستنزاف، وتوالت الأحداث عليّ.. مأساة التهجير ووفاة والدي وبعدي عن زوجتي وطفلي، ما جعلني آخذ إجازة في الأردن.كيف التقيت بزوجتك وعائلتك في الأردن؟ بعد معاناة طويلة، لحقت بي أم عصام قبل بداية المشاكل بين منظمة التحرير الفلسطينية والملك حسين بأيام، وكانت هذه المشاكل سببا في هروبي ليلا متجها إلى الجزائر، حيث نسق مفوض المنظمة مع الحكومة الجزائرية لأمثالي الحاصلين على شهادة التعليم الثانوي للحصول على فرصة العمل في حقل التعليم بالجزائر، وكان هروبهم في عربات نقل الحيوانات.أنت لجأت إلى الجزائر بعد النكبة.. نعم، لجأت إليها، وعشت أياما جميلة بين أهلنا هناك، وأوجه كل الود والتقدير لإخواننا في الجزائر، ونأمل أن نحرر بلادنا فلسطين معا من براثن اليهود الغاصبين.لماذا اخترت الجزائر وجهة لك بعد تهجيركم؟ الجزائر بلد كريم وأهله طيبون، استقبلونا بحفاوة. الجزائريون رجال بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فنحن أبطال نحارب لاسترجاع حقوقنا دون داعم لقضيتنا، فالجزائر حكومة وشعبا خير سند لقضيتنا الفلسطينية. وصلت إلى الجزائر وتسلمت عملي خلال أسبوع، ولحقت بي زوجتي خلال شهر.في أي مجال عملت في الجزائر؟❊ عملت مدرسا بإحدى المدارس الجزائرية في العاصمة، وفي السنة التالية حاولنا تحسين وضعنا المادي فعملت معي زوجتي أم عصام بالتدريس، في الوقت الذي رزقنا فيه طفلة وتلاها آخر. كم سنة عشت فيها؟ عشنا في الجزائر أربعاً وعشرين سنة رزقنا خلالها طفلين آخرين ليصبح لدي ثلاث بنات، ورغم كرامتنا المصونة هناك وسكننا في فيلا، وسعة ذات اليد، كنت أحلم ليل نهار بالعودة لبلدي فلسطين، وكانت اتفاقية “أوسلو”، وعدنا لغزة بتصاريح في 1995.في الذكرى 67 للنكبة.. الموتى يروون بطولات يافا“أرسلنا 80 طلبا للنجدة إلى الحكام العرب دون رد” غادر يافا أبناؤها بعد استبسالهم لتسقط بأيدي الغرباء القادمين من وراء البحر غالبا ما كانت مواضيع الحديث عن النكبة وعودة اللاجئين تهتم بالأحياء فقط، متناسية غالبا مآسي الموتى الذين تجرعوا الألم، ولم تتح لهم العودة إلى مدنهم وقراهم مطلقا، وقد ابتلعهم النسيان في تلافيفه، فكان لابد من الحديث عن هؤلاء لأنهم ذخيرة هامة للتاريخ الفلسطيني والعربي، ومسجلة للوضع قبل أحداث النكبة وما جرى خلالها.وراوي قصتنا لهذا اليوم زكي المصري، متوفى منذ سنوات طوال، تولي مسؤوليات عسكرية هامة بمدينته خلال الحرب عام 1948 ضد العصابات الصهيونية، وقد اختزن كل ذكرياته عن يافا وحفظها في كتاب أطلق عليه “حديث الذكريات” وجدت فيه من الحقائق ما يثير الاستغراب إلى حد بعيد!لكن أشد ما أزعجني هو إنني لم أستدل على أي شخص من عائلة الرجل قط للحديث معهم، وكل ما وفقت إليه من مصادري الخاصة هو معرفة أنه ميت فحسب، وليس لدي سوى ما دوّن من معلومات مثل كونه من مواليد عام 1919 بيافا لأبوين تعود أصولهما إلى محافظة الشرقية بمصر، وأنه كان يكنى بأبي الحسن.دوّن الحاج زكي بكتابه وصفا دقيقا ليافا، بدءا من مدخلها الرئيسي الذي يبدأ بشركة السكب والتصنيع والحديد حتى الوصول إلى شارع جمال باشا الذي كان يعد أحد أهم وأكبر شوارع يافا، قبل أن يستفيض في سرد بقية المعالم، وعلى رأسها المقاهي التي كانت تملأ المدينة.يقول الحاج زكي في كتابه: “مما أفخر به حتى الآن هو إننا كنا نقدم خدمات إنسانية مجانية عديدة، كنقل الموتى لأي جهة دون مقابل، وكذلك نقل كل ما يتعلق بمساجد مدينتنا وكنائسها على السواء بالمجان أيضا، كما كان يميز مدينتنا ميناء ضخم عمل به الألوف من مختلف الجنسيات، بخلاف أبناء البلاد كالمصريين واليمنيين والسوريين”. بوادر المعركةكانت بوادر الحرب عام 48 ظاهرة للجميع، وأخذت مدينة يافا زمام المبادرة، حيث استعدت للحصار والمقاومة، وأسست لجنة قومية من ثمانية أعضاء، اثنان منهم مسيحيان، وكان مقرها بالنادي الأرثوذكسي بحي العجمي.استطاع اليافاويون تأمين عدد من الأسلحة الخفيفة والثقيلة مع ذخيرتها، وصناعة ست عشرة مركبة مصفحة بشركة السكب الفلسطينية بيافا، كما أمّنت مدفعين من مخلفات الجيش البريطاني.وتحدث أبو الحسن عن وجود عدد من المتطوعين المصريين الذين دافعوا عن يافا ببسالة تشهد لهم، ووجود حامية قوامها من الجنود اليوغوسلاف بقيادة شخص يدعى شوقي بك، فضلا عن وجود خبير متفجرات تركي لقي مصرعه أثناء تصنيع أحد الألغام.السطور الأخيرةكانت معظم المعارك تدور في أحياء عدة بيافا، لم تتوقف راجمات الألغام وقنابل الهاون من الانهمار على رؤوس سكان المدينة، فضلا عن وجود القناصة الصهيونيين. ويتابع أبو الحسن “أن الصهاينة كادوا بسبب بسالة مقاومتنا يغادرون تل أبيب، لكنهم رجعوا عن قرارهم بعد فترة وجيزة جدا، فقد وصلت إليهم تعزيزات ضخمة جدا قلبت موازين المعركة أمامنا بمعداتنا العسكرية البسيطة، واضطررنا نحن لإخلاء المدينة خلال أيام محدودة، تحت ضغط قذائف المدفعية والهجوم الصهيوني الكاسح علينا”.استمر المقاومون الفلسطينيون اليافاويون في التساقط بين قتيل وجريح واحدا تلو الآخر، ونفذت منهم الذخيرة والمؤن وراحوا يرسلون البرقيات إلى الملوك والرؤساء العرب: “ثمانون برقية طيرت إليهم تضمنت عبارات الاستنجاد والاستغاثة منهية بعبارة “أخبرونا ماذا نفعل؟”، لتبقى جميعا بلا جواب حتى الآن.يتمتم أبو الحسن: “كان الصهاينة يطلقون النار بلا رحمة على السكان الفارين من جحيم الحرب إلى خارج يافا برا، وقد قتل منهم عدد كبير”.وهنا رأى الحاج زكي أغرب مشهد يمكن أن تقع عليه عيناه: “كان بعض الجنود اليوغوسلاف يتبادلون إطلاق الرصاص على بعضهم البعض مفضلين الموت على الاستسلام”، يكمل أبو زكي سقطت يافا بعد أن استبسل الفلسطينيون في معركة لم تكن متكافئة.بعد أن خلت شوارع يافا فأصبحت خاوية موحشة، كان زكي المصري آخر من غادر المدينة ومعه أحد أصدقائه ليلتحقا بأسرتيهما اللتين لجأتا إلى الضفة الغربية، ولتختم رحلة لجوئهم جميعا هناك.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات