وجوب تنظيف شوارعنا من القاذورات والنّفايات

+ -

راعني مناظر القمامة ومختلف أنواع الفضلات من بقايا الأكل والعلب والصحون والقوارير البلاستيكية والأكواب الورقية المستخدمة وأعقاب السّجائر وغيرها الّتي تملأ شوارعنا -مع الأسف- في منظر غير حضاري ولا يمت للبيئة النّظيفة بصلة، كما تغرق أحياؤنا وشوارعنا في النّفايات رغم تسخير كلّ الإمكانيات المادية والبشرية لمعالجة الوضع البيئي والمحافظة على المحيط النظيف.

اهتمّ الإسلام بالنّظافة الفردية لكلّ مسلم، وبالنّظافة العامة في البيئة والمجتمع، ودعا النّاس إلى الالتزام بالطّهارة وإزالة الأقذار والعناية بكلّ مكان ينزل به الإنسان، حيث بني الدّين على النّظافة الباطنية والظاهرية، وهو منسجم مع مفهوم الطّهارة، فقد كان من أوائل ما نزل من القرآن، قال تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّر} بعد أن قال: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}، فقرن التّوحيد بنظافة الثّوب ولا صارف للفظ عن ظاهره.وبيّن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ من مبادئ الإسلام النّظافة، قال تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}. حيث حثّنا على نظافة الطّريق وجعل ذلك من شعب وخصائل الإيمان، فعن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنّ رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قال: ”الإيمان بِضْعٌ وسبعون أو بضع وستون شُعبَة، فأفضلها قول لا إله إلّا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطّريق، والحياء شعبة من الإيمان”. وجعل إماطة الأذى عن الطّريق من الصّدقات، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”وتُميط الأذى عن الطّريق صدقة”.ولقد حثّنا ديننا الإسلامي  على النّظافة: نظافة النّفس والأخلاق والمظهر و”النّظافة من الإيمان”، لذلك فالنّظافة سلوك راقٍ ويجب الحفاظ عليه وجعله هدف أساسي في حياتنا، لتكون أجمل وتضفي جمالًا على محيطنا، المحيط الخاص بنا الداخلي لأنفسنا ومنازلنا، والعام الخارجي لمدينتنا.والنّظافة تبدأ بالمواطن لأنّها سلوك إيماني حثّنا عليها القرآن الكريم والسُّنّة النّبويّة الشّريفة وهي من السّلوكيات الّتي يجب أن تكون من سماتنا وسلوكياتنا. فتجد الشّوارع في البلدان الغربية نظيفة ولا تجد مَن يرمي حتّى أعقاب السّجائر في الأرض، هناك التزام كبير بتعليمات النّظافة والاهتمام بصحّة المواطنين وسلامة البيئة.لذا يجب على المواطن أن يضع النّفايات في كيس محكم الإغلاق ويضعه داخل الحاويات ويلتزم بمواعيد حضور مركبات البلديات الّتي تجمع النّفايات من المنازل، ولا يتركها مفتوحة مهملة تجلب الحشرات والأمراض المؤذية والمعدية.وإنّ من صور الأذية للجيران الّذي قد تغيب عن أذهان بعض النّاس أو يتساهلون فيها وهي مرتبطة بمسألة النّظافة، رمي القمامة في الشّوارع في غير أماكنها الخاصة، أو عند بعض البيوت، أو يرميها بجانب برميل القمامة، فتتكاثر الأوساخ وتنبعث الرّوائح الكريهة مؤذية للجيران حولها وتكثر الحشرات ممّا يزعج السّاكنين ويؤذي العاملين في النّظافة الّذين يتعبون في جمع هذه المخلّفات من هنا وهناك. وإنّ كثرة هذه الأوساخ وتكدّسها في غير موضعها المخصّص فيها أذية للجيران السّاكنين حولها، وقد أقسم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثلاثًا: ”والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن”، قيل: من يا رسول الله؟ قال: ”الّذي لا يأمن جاره بوائقه” يعني شروره. وفي رواية: ”لا يدخل الجنّة مَن لا يأمن جاره بوائقه”، ورويَ عن أنس أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ”مَن آذى جاره فقد آذاني ومَن آذاني فقد آذى الله”.إنّنا في حاجة إلى إدخال الأنظمة والقوانين الّتي ستحافظ على نظافة مدينتنا، ويجب أن يواكب إدخال هذه القوانين حملات توعية موسّعة في وسائل الإعلام والمدارس والجامعات. كما يجب أن ننشر ثقافة النّظافة في الأسرة ومنها إلى المدرسة، ومن المدرسة للمجتمع، وستتحوّل مع الوقت إلى نمط حياة لدى الجميع، وهذا يضمن بقاء بيئتنا نظيفة، ومدننا نقطة جذب، ونجعل مهمّة الحفاظ عليها أسهل، دون عقوبات وغرامات، بالتّوعية والتّثقيف والتّعاون على البرّ والتّقوى نرتقي بمجتمعاتنا إلى أن نشبه تلك المدن الأوروبية الجميلة.وتدلّ النظافة على وعي الأفراد ومدى شعورهم بالمسؤولية نحو أمّتهم وأوطانهم، ودائمًا ما تكون أوّل نقطة تلفت انتباه الزّائرين لأيّ مدينة كبرى. لذا يجب أن نهتم كمواطنين بنظافة أنفسنا ونظافة شوارعنا وأحياءنا حتّى نتجنّب الأمراض فالوقاية خير من العلاج. ويجب أن يكون هناك وعي ورقابة ذاتية وحسّ داخلي عند كلّ مواطن من أجل التصرّف السّليم في موضوع النّظافة، وأن يساعد المجتمع عامل النّظافة والسلطات المحلية في هذه القضية لأنّ النّظافة تهمّ بشكل أساسي صحّة المواطن وأطفاله وأسرته.فالمسلم مطالب شرعًا أن يحرص على نظافة الشّوارع وأن لا يلقي النّفايات إلّا في حاوياتها المخصّصة لها، لأنّ الشّرع يحضّ على النّظافة كما علمناه. ولأنّ نظافة المدن والأحياء والشّوارع، عنوان الحضارة والرّقيّ في المجتمع، والنّظافة تدلّ على حسن السّلوك الحضاري، وعلى التّطوّر ومستوى الذّوق والوعي، وكذلك الأخلاق الطيّبة عند السكان.إنّ حضارة الشّعوب ورقيّها تقاس بمستوى النّظافة أوّلًا، ومن ثمّ العمران والتقدّم، وخاصة في المجتمعات المسلمة الّتي فرضت عليها  النّظافة فرضًا وجعلت النّظافة جزءًا من الدّين والعبادة، حيث لا تقبل عبادة المسلم إذا لم يكن نظيفًا في نفسه وفي المكان الّذي يُصلي ويَعبُد الله فيه.وإنّ النّظافة لا يمكن فرضها من خلال قوانين رادعة وعقوبات ومخالفات، بل بتدريسها وجعلها ثقافة وقيمة من القيَم في المجتمع حتّى تسود بين الأفراد ويقتنعوا بها. فيمارسونها من تلقاء أنفسهم.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات