أجمعت الأُمَّة على سُنِّيَّة الاعتكاف، وهو مُسْتَحَبٌّ في كلّ وقت، سواء أكان في رمضان أم في غيره، وهو في العشر الأواخر من رمضان أفضل منه في غيره؛ لطلب ليلة القدر بالصّلاة والقراءة وكثرة الدّعاء، فإنّها أفضل ليالي السنة؛ قال الله سبحانه وتعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} القدر:3، أي: خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، والجمهور على انحصارها في العشر الأخيرة.والاعتكاف لغة هو اللّبث وملازمة الشّيء أو الدّوام عليه، خيرًا كان أو شرًّا، ومنه قوله تعالى: {يَعْكِفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} الأعراف:138، وقوله أيضًا: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُون} الأنبياء:52، وقوله سبحانه: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنّ وَأنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد} البقرة:187. وشرعًا هو لزوم مسلم مميّز مسجدًا مباحًا لكلّ النّاس، بصوم كافًا عن الجماع ومقدّماته، يومًا وليلة فأكثر، للعبادة بنية، فلا يصحّ من كافر ولا من غير مميّز، ولا في مسجد البيت المحجوز عن النّاس، ولا بغير صوم، أيّ صوم كان، فرض أو نفل، من رمضان أو غيره، ويبطل بالجماع ومقدماته، ليلاً أو نهارًا، وأقلّه يوم وليلة أو نهارًا، ونُدب عشرة أيّام لاعتكاف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم العشر الأواخر فيه من رمضان وأكثره شهر، وتكره الزّيادة عليه، بقصد العبادة بنية، إذ هو عبادة، وكلّ عبادة تفتقر للنية.وأمّا حكم مشروعيته فهو قُربة ونافلة من نوافل الخير، ومندوب إليه بالشرع أو مُرغّب فيه شرعًا للرجال والنساء، لاسيما في العشر الأواخر من رمضان، ويجب بالنذر. قال الله تعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنّ وَأنْتُمْ عَاكِفُونَ بِالْمَسَاجِدِ} البقرة:187، وقوله سبحانه: {أنْ طَهِّر بَيْتِيَ لِلْطّائِفِين وَالْعَاكِفِينَ} البقرة:125. وروى ابن عمر وأنس وعائشة رضي الله عنهم أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، منذ قدِم المدينة إلى أن توفّاه الله تعالى” متفق عليه.أمّا زمان الاعتكاف فأقلُّه يوم وليلة، والاختيار أن لا ينقص من عشرة أيّام. ومكانه، المساجد كلّها، ولا يصحّ في مسجد البيوت المحجورة، فلا يعتكف في صومعة المسجد، ولا على ظهر المسجد، ولا في بيت القناديل.وقد قسّم العلماء الاعتكاف على قسمين: مسنون وواجب: فالمسنون: هو ما تطوّع به المسلم تقرّبًا إلى الله عزّ وجلّ، وطلبًا لثوابه، واقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويُتأكّد ذلك في العشر الأواخر من رمضان. والواجب: هو ما أوجبه المرء على نفسه، إمّا بالنّذر المُعلَّق، مثل أن يقول: لله عليّ أن أعتكف كذا، وفي صحيح البخاري أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ”مَن نذر أن يطيع الله فليطعه”، وفيه أيضًا: ”أنّ عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله إنّي نذرتُ أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال: أوف بنذرك”. ويُشترط في المعتكف: النية، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: ”إنّما الأعمال بالنِّيات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى” لأنّه عبادة محضة، لم تصِح من غير نية كالصّوم والصّلاة وسائر العبادات. والصوم، وهو شرط مطلقًا.والاشتغال بالعبادة، على قدر الاستطاعة ليلاً ونهارًا، من الصّلاة والذِّكر والتّلاوة وسائر أعمال الآخرة، فلا يشهد جنازة ولا يعود مريضًا ولا يدرس العلم.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات