+ -

يعتقد المخرج السينمائي الفرنسي، من أصل يوناني، كوستا غافراس، أن السينما الجزائرية عليها أن تنتج مزيدا من الأفلام حتى تستعيد مكانتها. وقال غافراس الذي صور في الجزائر عدة أفلام ناجحة أشهرها فيلم “زاد” الذي ظهر فيه الممثل الراحل حسن الحسني، إنه رفض الانسياق وراء المنتجين الأمريكيين، رغم الأموال الضخمة التي قدّموها له، منذ أن أخرج فيلم “ميسينغ” سنة 1982، والذي كشف فيهعن تورط واشنطن في الانقلاب العسكري على الرئيس الشيلي المنتخب “سالفادور أليندي”، وأضاف غافراس في حوار “مع الخبر” أن السينما الأوروبية تختلف كثيرا عن السينما الأمريكية، من حيث أنها ليست سينما للفرجة، بل لتناول القضايا الحاسمة.تعود إلى مهرجان “كان” الدولي للسينما هذا الأسبوع، حيث يعرض فيلمك الشهير “زاد”، ضمن استعادة لأهم الأفلام الكلاسيكية، لماذا لا يزال هذا الفيلم يثير كل هذا الاهتمام؟ لا يزال هذا الفيلم يعرف رواجا عبر العالم، وهو كما تعرف مقتبس من رواية للكاتب اليوناني “فاسيليس فاسيليكوس”، وقد صوّرته في الجزائر، وأشركت فيه الممثل الشهير المرحوم حسن الحسني، من منطلق أن الفيلم يعد إنتاجا مشتركا مع الجزائر. وقد اخترت الجزائر كمكان للتصوير لاستحالة التصوير في اليونان، بسبب حكم العقداء. لقد أخذ “زاد” مساره وأصبح رجلا يسلك مسالكه بنفسه. هناك أفلام كثيرة تعرف مثل هذا الرواج والانتشار وتقاوم النسيان والاختفاء بسبب جدية المواضيع التي تتناولها. أعتقد أن الفيلم السينمائي الذي يتناول موضوعا جيدا مرتبطا بالحدث التاريخي، هو الذي يجد كل هذا الرواج والبقاء. وأنا جد سعيد بعرض فيلم “زاد” ضمن برنامج خاص بعروض كلاسيكية، إلى جانب أفلام عمالقة السينما العالمية، أمثال أورسن ويلس واينغريد برغمان.وجدت في المدة الأخيرة صعوبات في توزيع فيلم حول الجزائر مقتبس من رواية بعنوان “والآن بإمكانهم أن يأتوا”، ما مرد هذه العوائق المالية؟فعلا، وقد قمنا بإنتاج الفيلم بالتعاون مع الجزائر. ليس فيلم “زاد” هو الفيلم الوحيد الذي أنتجته بالتعاون مع الجزائر، أو صوّرت أحداثه في بلدكم، فهناك فيلم “سيدي العقيد”، الذي أنتجته زوجتي “ميشال”، وأنهينا مؤخرا تصوير فيلم، إضافة إلى فيلم سالم براهيمي “والآن بإمكانهم أن يأتوا”، وهو فيلم حول العشرية السوداء التي عرفتها الجزائر. كما يتحدث الفيلم عن صعود التيار الإسلامي وتحوله إلى تيار جهادي. أعتقد أن الجزائر كانت السبّاقة لمحاربة هذه الظاهرة، فتصوروا ماذا كان سيحدث لو لم تقرّر الجزائر محاربة هذا التيار آنذاك.  ولماذا رفض مهرجان “كان” الدولي للسينما عرض هذا الفيلم؟أعتقد أن مهرجان “كان” يتحاشى عرض الأفلام التي تتناول مواضيع سياسية، وهذا الفيلم عبارة عن فيلم سياسي بامتياز.لكنه عرض فيلم “تومبكتو” السنة الماضية...صحيح، لكن من عادة المهرجان أن لا يكثر من عرض هذه الأفلام بشكل دوري.تعودت كثيرا على زيارة الجزائر منذ عدة سنوات، منذ العصر الذهبي للسينما الجزائرية، كيف تنظرون إلى واقع هذه السينما اليوم؟بالفعل كنت من بين السينمائيين الفرنسيين الذين ترددوا كثيرا على الجزائر، بحكم تصوير فيلم “زاد”، كما أشرت إليه سابقا، وبحكم صداقاتي مع الوسط الفني والسينمائي. أدين كثيرا للجزائر ما وصلت إليه، وليس بإمكاني نكران جميلها عليّ. كانت الجزائر تزخر بسينما ناجحة دوليا، وقد حققت عدة نجاحات عبر عدد من المهرجانات الكبيرة عبر العالم من مهرجان “كان” إلى مهرجان “البندقية”، لكن اليوم مع تراجع الإنتاج السينمائي، ليس بإمكاني إصدار أية أحكام عن هذا الواقع. السينما الجزائرية اليوم بحاجة إلى مزيد من الإنتاج حتى تستعيد مكانتها الضائعة، وأعرف أنه يوجد ثلة كبيرة من السينمائيين بإمكانهم استعادة هذه المكانة.أخرجت بالولايات المتحدة الأمريكية فيلمين اثنين هما “مسينغ” بطولة “جاك ليمون”، والذي تناولت فيه موضوعا في غاية الأهمية، وهو تورط أمريكا في الانقلاب على الرئيس الشيلي المنتخب سالفادور أليندي سنة 1973، وفيلم “ماد سيتي”، بطولة “ديستين هوفمان” وجون ترافولتا”، لكنك لم تستمر في هذه التجربة، لماذا؟تعرف أن السينما الأمريكية تخضع لمعايير معينة، ولا تترك للمخرج الكثير من الحرية، في هوليوود يقدّمون لك أموالا ضخمة لإنتاج الأفلام، لكن في المقابل عليك أن تخضع لتصورات معيّنة منها الانسياق وراء سينما الفرجة، بينما أنا متعوّد على شكل سينمائي معيّن منذ فيلم “زاد”، وهو سينما المؤلف، لا أنساق كثيرا وراء الفرجة، بقدر ما أهتم بتقديم سينما مختلفة ومغايرة على هذا الشكل السينمائي الذي يعرف رواجا كبيرا في أمريكا، فأنا قبل كل شيء مخرج ومنتج سينمائي أوروبي. وأوروبا لها تصور يختلف تماما عن السينما الرائجة حاليا في هوليوود.هذه النظرة المختلفة التي نجدها في أوروبا، هل هي التي حملتك لإخراج فيلم “رأسمال” سنة 2012؟فعلا، بدليل أنه يوجد في هذا الفيلم نقد لاذع للرأسمالية، فقد سبق لي وأن قدّمت نفس النقد للشيوعية في فيلم أخرجته سنة 1970 بعنوان “الاعتراف”، بطولة الممثل الشهير “ايف مونتون” وسيمون سينيوري، والمقتبس عن رواية للكاتب “أرتور لندن”.ما هو الفيلم الذي تشعر بأنه قريب منك، هل هو فيلم “زاد”؟لا، فيلم “زاد” نجح كما ينجح الرجل، وعرف كيف يسطّر طريقه بنفسه، صحيح أنني أعتز به كثيرا، لكن يبقى أن فيلم “حنا.ل”، هو من بين الأفلام القريبة مني كثيرا. وقد أخرجت هذا الفيلم سنة 1980، وتطرقت فيه للصراع العربي الإسرائيلي. حقق الفيلم إقبالا حسنا في قاعات العرض بفرنسا، لكنه سرعان ما اختفى، ولم يعرف كيف يسطّر لنفسه نفس الطريق التي سطرها فيلم “زاد”، وهذا يحز في نفسي كثيرا، لأنني أعتبره من أحسن أفلامي.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات