علاج مشكلة البطالة في المجتمع المسلم

+ -

من المشكلات الأساسية التي تؤرّق دول العالم ومنها الجزائر، البطالة. ولم تعد البطالة مشكلة دولة محدودة إمكاناتها، بل حتّى الدول المتقدمة تعاني الأمرّين من هذه المشكلة.. والبطالة تعني عدم وجود فرص عمل مشروعة لمن توافرت له القدرة على العمل والرّغبة فيه.

إنّ ملف البطالة يعدّ من الملفات المعقّدة، ليس فقط لسخونة موضوعه وتأثيراته العديدة، ولكن لتداخل المسؤولية عنه بين أكثر من طرف، الأمر الذي ساهم في تضخيم هذه القضية وتأخير علاجها، وجعل منها هاجسًا يؤرّق المواطنين والمسؤولين على حد سواء. والبطالة مشكلة اقتصادية واجتماعية وإنسانية لها عواقب خطيرة، لأنّ تأثيرها يتجاوز الفرد والأسرة، ليشمل المجتمع. يقول الراغب الأصفهاني: “مَن تعطّل وتبطّل انسلخ من الإنسانية بل من الحيوانية وصار من جنس الموتى”.وبسببها تنشأ المشاكل داخل الأسرة ومن ثمّ المجتمع، وتؤثّر نفسيًا على الشّباب وتفقدهم الثّقة بالنّفس، وقد تؤدّي بهم إلى الانحراف الأخلاقي الّذي يعدّ العامل الأساس للانجرار وراء الفساد، وقد تصل إلى الإدمان على المخدّرات والإجرام.فالبطالةُ من أخطر المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في الدول الفقيرة والنامية، نتيجة ضعف الأداء الاقتصادي وسوء سياسات التنمية الاقتصادية، وعجز حكوماتها عن تطبيق سياسات حازمة لمواجهة ارتفاع أسعار الواردات وانخفاض أو تقلّب أسعار الصّادرات وبخاصة البترول، وعدم استقرار أسواق النّقد العالمية، وتعطّل كثير من برامج التّنمية وعمليات الإنتاج، وعجز الاستثمار عن أداء دوره، ما أدّى بالتّالي إلى خفض معدلات النّمو والتّوظيف وارتفاع معدلات البطالة. كما أنّ الاعتماد على الاستيراد وعدم السّعي إلى الزّراعة والفلاحة والتّصنيع ونقل التّكنولوجيا المتقدّمة، كلّ ذلك أدّى إلى نقص فرص العمل.وأيًا ما كانت الأسبابُ المؤدّية إلى البطالة، فلا سبيل إلى حلّ هذه المعضلة إلاّ بإيجاد وإتاحة فرص العمل الّتي تصونها الضّوابطُ العادلة من شرع الله، والّتي تهتم بالحاجات العامة للإنسان، فالدّين والعمل هما طوق النّجاة من شرور البطالة والأزمات الاقتصادية.ولقد أخذ العملُ في الإسلام مكانة لا تدانيها مكانة، ولقد حرَص الإسلام على دفع المسلمين إلى العمل، وحضّهم عليه، وترغيبهم فيه، وفتَحَ أمامهم أبوابَ العمل الصّالح على مصراعيها؛ ليختار كلُّ إنسان ما يناسبُ قدراتِه وإمكاناتِه ومهاراته من عمل طيّب، وجاء الأمرُ بالانتشار في الأرض بعد الصّلاة طلبًا للرّزق؛ فقال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} الجمعة:10.وحثّ الإسلام على المهن والحرف اليدوية، وجعل كلّ كسب حلالٍ عملاً شريفًا وإن نظر إليه بعضُ النّاس نظرة استهانة واحتقار، فقد روى البخاري عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكفّ الله بها وجهه خير له من أن يسأل النّاس أعطوه أو منعوه”. ووردت أحاديث كثيرة تبيّن فضل الكسب والمهن والحرف اليدوية؛ فعن المقدام بن معدي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “ما أكل أحد طعامًا قطّ خيرًا من أن يأكل من عمل يده وإنّ نبيّ الله داود كان يأكل من عمل يده”. وفي الحثّ على المُزارعة والغرس روى البخاري عن أنس بن مالك أنّ رسول الله قال: “ما من مسلم يزرع زرعًا أو يغرس غرسًا فيأكُل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلاّ كان له به صدقة”.ولقد كان الرّسلُ والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم من أحرص النّاس على العمل إلى جانب الدّعوة إلى الله، فكان نوحٌ نجّارًا، وكان إدريس خيّاطًا، وكان داود خوّاصًا، وكان موسى أجيرًا عند شعيب، وكان نبيّنا يَرعى الغنم ويعمل بالتّجارة قبل البعثة.وقد اقتدى به الصّحابة الكرام رضوان الله عليهم فحرصوا على العمل والسّعي في طلب الرّزق؛ فكان منهم الصّانع والتّاجر والزّارع، وكانوا يتمتّعون بالغنى وسعة الرّزق ويمارسون أعمالهم مع انشغالهم في الدّعوة والجهاد في الغزوات والحروب والفتوحات الّتي كانوا يحقّقون فيها النّصر والظّفر. فلا بدّ من تشجيع الشّباب وحثّه على العمل الحرّ، جاء في الأثر: “إنّ الله يحبّ المؤمن المحترف ويكره البطّال” و”اليد العليا خيرٌ من اليد السُّفلى”.وإذا ضاقت الحال ولم يجد الإنسان عملاً، وأصبح فقيرًا محتاجًا، فعلاج الإسلام حينئذ لهذه المشكلة هو أن يَكْفُل الأغنياءُ الموسرون أقاربهم الفقراء، وذلك لما بينهم من الرَّحِمِ والقرابة، وقد وصفه الله تعالى بأنّه حقّ من الحقوق الواجبة بين الأقارب، فقال تعالى: {فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} الرّوم:38.وإذا عجز الأقارب الأغنياء عن سدِّ حاجة الفقراء جاء دَوْرُ المجتمع ككلٍّ؛ متمثِّلاً في الزّكاة الّتي فرضها الله للفقراء من أموال الأغنياء، ولكنَّ رسول الله جعلها مقصورة على الفقير الّذي لا يستطيع العمل والكسب؛ لذلك قال عليه الصّلاة والسّلام: “لا تَحِلُّ الصّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ”.كلية الدراسات الإسلامية

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات