هكذا هو عصرنا، ببعض العيوب، وبعض الغموض، وكثير من التجني.. لكنه العصر الذي نبني فيه حياتنا اليومية، بصعوبة بالغة، وصراعات هامشية، وبأقل ما يمكن من نجاح، غير أن اسمه نجاح..تأمل الحكمة في ذلك أيها الكائن القديم.. كلنا غير راضين عن هذا النظام وكلنا نتعايش معه.. كلما تحدثنا أكثر عن الفساد ازداد استشراء، وكلما شتمنا الفاسدين ضحكوا وذهبوا إلى أشغالهم فرحين بمغانم جديدة. خلال السنوات العشر الماضية، أدنتم تزوير الانتخابات غير أن ذلك لم يوقف تزويرها ثانية وثالثة... وخلالها تجرأت عليكم الحكومات بقوانين ظالمة، ومع ذلك لم تسحب هذه القوانين ولا أعيد فيها النظر، وتولاكم رجال ما هم برجال كما يجب، واستوزر على قطاعات من لا يعرف عليها سوى ما تنشره الصحف..وفي كل ذلك تأخذون الأمور بجدية لا تليق بها، فأنتم مثلا تعتقدون أن قرارات الدولة وتعيين الرجال في المناصب والأخبار التي تتداولها الصحف.. هي صناعة رجال دولة.. عليك بتصحيح مفاهيمك القديمة.. هذه القرارات وأولئك الرجال هي مجرد خدمات بسيطة يمكن تقريرها في حانة الشيراطون أو مقهى سطاوالي، والبلد يمشي، يمشي ببساطة، هل توقفت الدولة يوما؟ قل ببركة من الله أو باجتهاد رجل، لكنها بسيطة وتمشي.. انظر حولك، دائرة بارونات المال تضيق ببطء، والثروات الهائلة تتجمع بين أيدي فئة قليلة، وهذه الفئة هي التي تقرر مصيرك غدا، لا رجال السياسة، ولا المخابرات، ولا صناديق الاقتراع.. هذا عصر جمع المال، وبعدها يتفرغون للسياسة، كما يقولون. ولعلمك أيها الدماغ القديم، الصراع كل الصراع موجود بين الصغار، أما الكبار فيكتفون بغمزة فيما بينهم، والجميع يفهم ويلزم حدوده.. زيادة على أن نقدكم واحتجاجاتكم، وحتى سبابكم لهم، يزيد من ضحكهم فأنتم بالنسبة لهم مجرد حساد وفاشلين في جمع ثروات تؤهلكم إلى ممارسة السياسة بمقاييس “المانجير” الناجح.. هل تعرف؟ في كل ذلك ظهر أن أفضل “مانجير” هو الذي يشتري صمت الناس حتى ولو على مضض، ويشتري السلم الاجتماعي بأموال الخزينة العمومية، ويسنّ قوانين في صالح الكتلة الانتخابية التي تذهب إلى الصناديق فعلا، وليست التي تحتج فيما بعد على النتائج.. نحن البلد الوحيد في العالم الذي يحكمه رئيس من كرسي متحرك، يظهر في الصور وكأنه غير واع بما يدور حوله، ومع ذلك يحكم، وباسمه لاتزال المعصرة تدور..هل فهمت أين الخلل؟ كل واحد يرى الجزائر حاليا من الزاوية التي يقف فيها، البعض يقف في منطقة سمينة تسمح له برؤية أكثر تفاؤلا بنوعية الغذاء الذي يضعه نصب عينه، وآخرون يكتفون برؤية ظلالهم في المرايا المعتمة.. وعليك أن تختار.. خاصم واصرخ واحتج وإن شئت قم بإضراب عن الطعام أو إضراب عن قراءة الصحف اليومية أو اخبط راسك على الحيط.. فهي تمشي، والخلل موجود فقط في دماغك القديم الذي لا يريد أن يتأقلم مع عصره بعيوبه وغموضه وبأقل ما فيه من نجاح.. جيد، ومع ذلك لكل قرية مجنونها، ولكل قضية مناضلها، ولكل عصر إرادة تغيير تقاوم الأمواج العاتية، كي لا تسحبها إلى قاع البحر.. ولكل ما خلق له، ولكل قدره..
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات