+ -

 يخيّل لك عندما تكون ذاهبا إلى جزيرة جربة، أنك متوجه إلى مدينة خالصة لليهود التونسيين، وترسّخ لديّ هذا الاعتقاد عندما سألت أحد التونسيين التقيت به بالعاصمة تونس عن هذه المدينة، فقال لي “هذه جزيرة اليهود”، لكن ما إن حطّت بي الطائرة في مطار جربة، حتى اكتشفت أنه لا توجد في هذه الجزيرة مدينة اسمها جربة، بل مجموعة مدن وبلدات صغيرة، أبرزها مدينة “حومة السوق”، وهي البلدة القديمة التي تقطنها عائلات يهودية، وبلدة “ميدون” وهي مدينة صغيرة وهادئة ولكنها بعيدة عن المطار، والمنطقة السياحية وفيها فنادق مصنفة. تفاجأت خلال تجوالي في منطقة حومة السوق وفي “ميدون”، أن معظم الذين التقيتهم مسلمين، أما اليهود فلا يصرّحون عن هويتهم أو ديانتهم، أحد سكان المدينة الذين قابلتهم سألته كيف تعرفون يهود جربة؟ فقال “من خلال ملامح وجههم ولهجتهم، فهم ينطقون السين شينا”.أشار التونسي الذي يعمل سائقا في الجزيرة منذ سنوات طويلة، أن “الكثير من يهود جربة غادروا الجزيرة نحو أوروبا وإسرائيل”، وتابع “لكنهم يأتون كل عام لحضور مهرجان الغريبة”، مقدرا ما تبقى من يهود جربة بنحو 50 عائلة فقط، في حين تقدر السلطات التونسية عدد اليهود بنحو 1500 شخص، معظمهم يقطنون في جزيرة جربة، وأضاف أنه لم يسمح ليهود “إسرائيل” بزيارة الجزيرة إلا مرة واحدة فقط.         وإذا كانت بلدة “ميدون” ذات الطابع التقليدي والسياحي، كل سكانها من المسلمين ويوجد بها مسجد مزخرف بالفسيفساء الرومانية، بل إن مكتب حركة النهضة (الإسلامية) متواجد في وسط البلدة ولها نشاط في “جزيرة اليهود”، لم نلحظه لدى أي من الأحزاب التونسية الأخرى، بما فيها حزب نداء تونس والجبهة الشعبية أو المؤتمر من أجل الجمهورية، غير أن “حومة السوق” ذات الطابع المعماري القديم، ما زالت تحتضن معبدا لليهود وعشرات العائلات اليهودية التي أخبرنا أحد سكانها أنهم ينشطون في تجارة الذهب على وجه الخصوص، لكن عدد المسلمين أكبر، والمظاهر اليهودية غير بارزة وسط حومة السوق مثل نجمة داوود باستثناء المعابد اليهودية في المدينة القديمة. لكن ما يميّز حومة السوق حسب سكانها أن بها سوقا أسبوعيا كل اثنين، يزوره مختلف سكان الجزيرة لاقتناء حاجياتهم، كما أن مسجد المدينة لا يؤذن سوى آذانا واحدا في صلاة الفجر.والملفت للانتباه أن مياه الجزيرة غير صالحة للشرب، ويتم نقل المياه الصالحة للشرب عبر أنبوبين ضخمين يعبران الطريق الذي يربط الجزيرة ببر تونس أو “إفريقيا” كما يسميها السكان المحليون، وأخبرني سائق سيارة أجرة أن هذا الطريق الذي يبلغ طوله 7 كلم، ويفك العزلة الطبيعية عن الجزيرة، شيّده الرومان أول مرة فوق البحر، ثم جاء الاستعمار الفرنسي وقام بتوسيع الطريق. إن سواحل الجزيرة ورغم طولها، إلا أنها تبدو من الطائرة أشبه بسبخة غير صالحة للسباحة، سألت أحد سكان الجزيرة عن ذلك، فأرجع الأمر إلى ظاهرة الجزر، حيث ينحصر البحر عن أجزاء من سواحل الجزيرة، في حين أخبرني آخر أن قلة من سواحل الجزيرة مسموح بها السباحة، كما أن النقل البحري للمسافرين محدود باستثناء بعض السفن القليلة، لذلك يتم تركيز نقل السلع والمنتجات وخاصة المياه المعدنية عبر الطريق البري الرابط بين جربة ودائرة جرجيس وأيضا عبر البحر. ويعتمد سكان الجزيرة في حياتهم اليومية، بشكل أساسي على السياحة خاصة الحج اليهودي في شهر ماي من كل عام، بالإضافة إلى المسافرين الليبيين الذين يتخذون من مطار جربة الدولي نقطة عبور باعتباره أقرب مطار دولي إلى الحدود الليبية، حيث يتدفقون من مختلف دول العالم إلى مطار الجزيرة وبعدها يتنقلون برا إلى معبر راس جدير الذي لا يبعد عن الجزيرة سوى بنحو 170 كلم، وخلال فترة توقفهم بالجزيرة تمتلئ بهم الفنادق والمطاعم وينشط معهم سائقو الأجرة الذين لا يسمح لهم بنقل المسافرين خارج الجزيرة، ويغرّم كل من يخالف ذلك بـ150 دينار تونسي، وبعض سائقي الأجرة يدفعون لأفراد الشرطة الفاسدين رشاوى مقابل السماح لهم بنقل الليبيين إلى الحدود.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات