يحتاج المسلم في هذه الأيّام في مناحي الحياة كلّها إلى مزيد من الحيطة والحذر، وكثيرًا ما يؤتى الإنسان من قلّة حذره أو عدم أخذه بمبادئ الاحتياط والاستعداد فينجم عن تصرّفاته المتسرّعة والمتهورة الكثير من الحوادث أو المصائب، ممّا يجدر بنا التّنبيه والتّذكير بهذا الأمر المهم في حياة النّاس جميعًا.إنّ الله سبحانه وتعالى يأمرنا أن نأخذ حذرنا، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ)، والحذر هو أن نأخذ الحيطة وأن نكون متأهّبين قبل وقوع المكروهات، فالحذر خصلة حميدة وصفة مجيدة، لا يستغني عنها أحد في أيّ حال من الأحوال.وأخذ الحذر من باب الأخذ بالأسباب المأمور بها شرعًا بجانب التوكّل على الله، فالعبد يتوكّل على الله وفي نفس الوقت يأخذ بالأسباب، فالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إمام المتوكّلين وسيّد العالمين، قد أخذ بالأسباب على اختلاف الأحوال، فتُجَاه ربّه عَبَدَهُ وأكثَرَ من عبادته وهو المغفور له ما تقدّم وما تأخّر، وقال ”أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا”، وعند خروجه في الغزوات والمعارك كان يوري في الطّريق فيخرج على عكس الاتجاه، وفي السّفر أخذ الزّاد معه، وفي هجرته وسفرياته استعان بقصاص الأثر والدلالين وكمن في الغار ثلاثًا، وكلّ هذا ممّا ذكرنا وما لم نذكره من أحواله عليه السّلام من باب الأخذ بالأسباب مع توكّله على ربّه.وإنّ ما يجب أن يحذره المسلم في هذه الدّنيا كثير، كأن يحذر من الله، يقول تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ} أي لا تتعرّضوا لسخطه ونقمته وعقابه، بمخالفة أحكامه وشرعه أو بموالاة أعدائه، وإيّاكم أن تتجاسروا على عصيانه فهو المطّلع على عباده. وأن يحذر من عدوّه الأكبر الشّيطان {إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}. وأن يحذر من الأزواج والأولاد، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}، احذروهم من التلهي بهم عن العمل وفعل الخيرات وعمل الصّالحات أو قطع الأرحام أو معصية الربّ العَلّام. وأن يحذر من ضياع الأولاد، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}، فلتنتبهوا لأبنائكم، تربيهم على الدّين وعلى حبّه وحبّ أهله، وعلى الفضيلة، تتابعهم وتجالسهم وتحاورهم، تتفقّد أحوالهم وما يحتاجون.ويجب على المسلم أن يحذر من فتنة الدّنيا وغرورها، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إنّ الدّنيا حُلوة خضرة، وإنّ الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتّقوا الدّنيا واتّقوا النّساء، فإنّ أوّل فتنة بني إسرائيل كانت في النّساء”. وأن يحذر من الوقوع في أعراض ودماء النّاس، إنَّ ممّا عُلِمَ من الدّين بالضّرورة وتواترتْ به الأدلة من الكتاب والسنّة حُرمة دم المسلم؛ فإنَّ المسلم معصوم الدم والمال والعِرْض، وحرمة المسلم أعظم عند الله من حُرمَة الكعبة، بل من الدّنيا أجمع، يقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: ”والّذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدّنيا”. واحذر أنْ يكون لك أحدٌ بالمِرصاد يوم القيامة فإنَّ مَن تُؤذيه وتَظلمه في الدّنيا لن يَتركَك في الآخرة.كما أمرتَ أن تحذر من أعدائك الكافرين والمنافقين، من الّذين يكيدون ويتآمرون، من الّذين همّهم سحق الإسلام وأهله، بكلّ السُّبل والطرائق، الّذين قال الله فيهم: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}، والقائل عن المنافقين: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ}، وعن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إنّ أخوف ما أخاف عليكم بعدي كلّ منافق عليم اللِّسان”.وأن تحذر من أنّ النّعم لا تدوم، وأنّ صروف الحياة بين فتح وإغلاق، وسعة وضيق، وكدر وصفو، وحلوّ ومُرّ، وأنّ دوام الحال من المحال {وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ ضُعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضُعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةً ضُعْفًا وَشَيْبَةً}، لهذا حثّ ديننا الإسلامي على الادخار، وإنّ الادخار (بمفهومه الجليّ الّذي هو الجزء المستبقى من دخل المرء بعد حسم إنفاقه الاستهلاكي الخاص والعام) مبدأ عظيم وسلوك اقتصادي بالغ الأهمية لاستقرار الفرد والمجتمع معيشيًا واقتصاديًا، لأنّ تغيّرات الحياة لا مناص منها، فتلك هي سنّة الله ولن تجد لسُنّة الله تبديلًا، لذا كان الحذر والحيطة من الأسباب الّتي حضّت عليها شريعتنا الغرّاء، لئلّا يقع المرء في ضائقة تلجئه إلى السّؤال واستجداء المذمومين، أو ارتكاب كبائر محرّمة كالسّرقة والرّبا، أو الالتحاف بهمّ اللّيل وذلّ النّهار النّاتجين عن الدَّيْن الآسر.إنّ الحذر وأخذ الحيطة دليل اليقظة والإدراك عند المسلم، فمن فوائده؛ أنّه يوصل إلى السّلامة وتحقيق المطلوب في الدّنيا والآخرة، وهو صفة إيمانية تقي المؤمن شرّ المعاصي، والشرّ وأهله والشّيطان وشركه، والنّفس وهواها، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ضرب المثل الأعلى في تحذير أمّته من الشرّ، وعلى المؤمنين أن يحذروا وينصح بعضهم بعضًا حتّى يكونوا مجتمعًا سليمًا معافى ينعم بالأمن والإيمان.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات