الأفالان والأرندي.. الأخوة الأعداء!

38serv

+ -

ماذا يمثل مجلس الأمة في المشهد السياسي وما تأثيره على مجريات الأحداث إذا علمنا أن نشأته جاءت بعد تجربة مريرة مع التيار الإسلامي مطلع التسعينات، ما استوجب اللجوء إلى مبدأ الثنائية البرلمانية ليكون المجلس عنصر تعطيل لأي مسار شبيه.تأسس مجلس الأمة بتاريخ 28 نوفمبر 1996 بموجب دستور العام ذاته، وأضحى وجود الغرفة الثانية في النظام البرلماني الجزائري أمرا ضروريا بغية تحقيق جملة من الأهداف "البراقة" أهمها ترسيخ الديمقراطية التعددية والتعبير الحر في المؤسسة التشريعية وضمان تمثيل وطني جيد أكثر تنوعا وتكاملا وانسجاما، من خلال اعتماد معيار الإقليم إلى جانب معيار السكان وضمان التوازن بين مؤسسات الدولة والحفاظ على استقرارها، فضلا عن عنوانه "الأمة" الذي يعني جمع الشمل وحماية الثوابت الوطنية.يتشكل مجلس الأمة من 144 عضو، ويتم انتخاب ثلثي أعضائه عن طريق الاقتراع العام غير المباشر والسري من بين ومن طرف أعضاء المجالس الشعبية البلدية والمجلس الشعبي الولائي بعدد عضوين عن كل ولاية أي بمجموع 96 عضوا، ويُعين رئيس الجمهورية الثلث الآخر أي 48 عضوا من بين الشخصيات والكفاءات الوطنية في المجالات العلمية والثقافية والمهنية والاقتصادية والاجتماعية.إن تركيبة مجلس الأمة التي مزجت بين آليتي الانتخاب والتعيين، حسب نصوص إنشائه، تهدف إلى إيجاد أعضاء منتخبين وتمكينهم من حمل ونقل انشغالات واهتمامات ممثليهم في الخلية الأساسية للمجتمع أي البلدية أو بعبارة أخرى على المستوى المحلي إلى السلطات المركزية عبر قنوات السلطة التشريعية ومختلف آلياتها الرقابية لعمل الحكومة، أما آلية التعيين فإنها تفسح المجال أمام أصحاب الكفاءات الوطنية حتى يستفاد من خبراتهم وقدراتهم!لكن هذه المميزات ظلت لأكثر من 20 عاما حبرا على ورق، لأن الواقع لا يصدق الخطاب الرسمي المتحدث عن "دور ريادي" يضطلع به المجلس الذي تدهورت نوعية العضوية فيه من الكفاءات والخبرات الوطنية إلى فئة أصحاب الشكارة الذين لا هم لهم سوى الاستيلاء على مواقع الحصانة وتفتح الأبواب المغلقة في وجوههم.واللافت أيضا هو "صفرية" تمثيل الإسلاميين في المجلس، إذ لم يحوزوا على أي مقعد في انتخابات 29 ديسمبر، بعد عقد تحالفات مع حزبي السلطة، وهو ما يثير التساؤل والاستغراب، وهو ما يعكس ضعف تأثيرهم في مجريات الأحداث حتى وإن تفننوا في استعمال مكبرات الصوت عبر وسائل التواصل الاجتماعي!بالمقابل، تكرس النتائج اتساع الوعاء الانتخابي للتجمع الوطني الديمقراطي وثبات موقفه السياسي، بدليل ما حدث من تجاوزات عبر عنها أمينه العام أويحيى والناطق باسمه صديق شهاب، بما يؤكد أكثر من أي وقت مضى وجود "ندية حقيقية" بين الأرندي والأفالان، حتى وإن حافظ الحزب العتيد على امتداد ثلاثة استحقاقات غير مباشرة على نفس الخطاب وبأنه مازال القوة السياسية الأولى في البلاد وهو الأقوى عدديا في كل المجالس بما فيه مجلس الأمة الجديد.فقد استخلف منتخبو الأرندي سيناتورات الأفالان في عدد من الولايات، على غرار العاصمة، كما تغلب عليه الأفالان في ولايات أخرى، بينما خسر الحزبان معا في كل من بجاية وتيزي وزو وورڤلة وإليزي وتمنراست التي فاز بها مترشحو أحزاب أخرى.كما سجل التنافس أرقاما متقاربة سواء بالنسبة للأفالان أو الأرندي، ما يؤشر على أن الأحزاب التي تحالفت معهما كان لها دور في احتدام الصراع بينهما، وحدث فيها ما يشبه انقساما بين تشكيلات دعمت مرشحي الأفالان وأخرى ساندت الأرندي، خاصة ما تعلق بـ"الديكليك" الذي أحدثه منتخبو الأحزاب الصغيرة في ترجيح الكفة سواء لحزب الرئيس بوتفليقة أو لحزب أويحيى.كذلك سجلت نتائج التجديد النصفي لمجلس الأمة ظاهرة تفيد بوجود حزبين كبيرين، يدعم كل واحد منهما فريقا من الأحزاب، وعزّز هذا الوضع فوز الحزبين بالأغلبية المطلقة من المقاعد، أي 40 مقعدا، والمقاعد المتبقية توزعت على حزبي الأفافاس و"المستقبل"، بالإضافة إلى الأحرار.ولا ينتظر أن ينعكس التنافس بين الأفالان والأرندي على أدائهما داخل "دار لقمان" (أي مجلس الأمة) من حيث موقفيهما من مشاريع القوانين، طالما أنهما متحالفان مع الرئيس بوتفليقة، ما يعني أن "التفاهم" سيتغلب على "الاختلاف" في مناقشة والتصديق على القوانين المتأتية من المجلس الشعبي الوطني الذي يسيطر عليه الأفالان أيضا، كما يخدم هذا الوضع موعد الرئاسيات القادم، إذ يدعمان علانية وبلا شروط الرئيس بوتفليقة إذا ترشح لعهدة خامسة ويؤيدان كل ما سيقرره ضمن أجندة سياسية مشبعة بما جرى التسويق له مؤخرا بعنوان مواصلة الإصلاحات، على غرار احتمال تعديل الدستور مرة أخرى وحل المجلس الشعبي الوطني من أجل مصداقية أكبر.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات