لم يصدق البجاويون ما حدث، فقد تحقق الحلم الذي راودهم منذ 61 سنة، بعد إحراز فريقهم كأس الجمهورية في ثاني موسم له بالقسم الوطني الأول ونافس الكبار وأفلح في تدوين اسمه بأحرف من ذهب في سجل الكرة الجزائرية. وفي انتظار تنظيم حفل يخلد الانجاز ويكون في مستوى قاعدته الشعبية الواسعة، عبّر عشية أمس الآلاف منهم عن شدة فرحتهم.عاش سكان ولاية بجاية الأيام الأخيرة على أعصابهم وازدادت درجة التوتر والضغط، نهار أمس، لما خلت الشوارع من الحركة واضطر التجار إلى غلق محلاتهم بلجوء المواطنين جميعا إلى بيوتهم وأنظارهم مشدودة إلى ملعب تشاكر وتابعوا اللقاء بشغف كبير. ومع الهدوء السائد في كل الأماكن، لا تسمع سوى التفاعل مع أهم اللقطات والأصوات الصادرة من النوافذ.وبمرور الوقت ومباشرة بعد إعلان الحكم بيشاري عن النهاية والتأكد من التتويج، انفجرت الأوضاع بسرعة فائقة وعادت الحيوية إلى الشوارع ودبت الحركة فيها.بدأ البجاويون من كل الفئات يخرجون وكلهم فرحة، فأطلقوا العنان لحناجرهم ورافقوا الأغاني التي بثتها مختلف المحلات برقصات تعبّر بصدق عن شدة التعلق بالموب. النساء، من جانبهن، أردن أن يخلدن الحدث فزينّ الشرفات بمختلف الألوان والزغاريد تتعالى من أفواههن، وبكل عفوية تجاوبن مع المحيط المكتظ بالمحتفلين وقمن برشهم بالماء ورشقهم بالحلويات. وبمرور الوقت، تشكلت المواكب في مختلف الاتجاهات، تتقدمها الدراجات النارية التي تحمل ألوان الموب، فصالت وجالت في الأحياء الشعبية المعروفة بولائها للأخضر والأسود، خاصة اغيل أوعزوڤ واحدادن وسيدي أحمد وتاعساست وتازبوجت... والقائمة طويلة. المناطق المجاورة لمقر الولاية هي الأخرى أبت إلا أن تسجل حضورها، فأقبل المناصرون من الجهة الساحلية ومن حوض الصومام وشعارهم أن مثل هذه المناسبات نادرة، فلابد من المساهمة في صناعة الأفراح، فتعانق الجميع وتبادلوا التهاني بشكل يدل على عمق تأصل المولودية في الأوساط الجماهيرية، والبعض أشار إلى أن هذه المشاهد والحضور المكثف للمواطنين دليل قاطع على أن الموب ليس لها جمهور، بل “شعب”، وهو المصطلح الذي أطلقه الرئيس الأسبق زهير بناي ذات يوم قبيل مواجهة العميد في إطار الكأس حين قال: “سأستشير شعبي في كل صغيرة وكبيرة قبل أن أقرر”.الأنصار يطالبون بحافلة مكشوفةيصر أنصار مولودية بجاية على تخليد التتويج في الذاكرة البشرية ويلحون على تنظيم استقبال الفريق على طريقة الكبار، واشترطوا توفير حافلة مكشوفة تجوب أهم الشوارع بالمدينة وتتنقل إلى مختلف المناطق التي ساندت ودعمت الموب في كل الظروف. الإدارة التي برهنت على ارتباطها بمؤازريها، ستستجيب للطلب وبدأت عملية البحث عن تجسيد المشروع وسيتم الاستنجاد بالمختصين في هذا المجال، واقترح البعض تحويل شاحنة مقطورة لتناسب الموقف إن اقتضى الأمر. وحسب اقتراحات العديد من الأطراف، فإن كل العقبات سيتم تجاوزها في سبيل الموب.الكل يتذكر الراحلونأكد اللاعب والمدرب السابق لمولودية بجاية جلول مداس أن الأشخاص الأوائل الذين فكر فيهم والموب تعانق الكأس، هم اللاعبون والمدربون والمسيرون الذين خدموا المولودية وضحوا من أجلها، ومع كل أسف غادروا هذا العالم. أما المناصر الوفي جبار الذي تحدى إعاقته ورافق الموب في أغلب تنقلاتها، فإنه أشاد بدور الإدارة والطاقم الفني واللاعبين الذين شرّفوا أرواح الشهداء 13 الذين سقطوا في ريعان شبابهم وتشبعوا بألوان الموب التي رأت النور في المولد النبوي لعام 1954.اللاعبون كانوا أبطالاأجمع كل المحتفلين على الإشادة بدور اللاعبين وحسن تطبيقهم لخطة المدرب وتمكنوا من رفع التحدي والمساهمة في إعلاء اسم الموب. فرغم أنهم شاركوا في أول نهائي لهم، إلا أنهم كانوا في المستوى وتشجعوا وتحلوا بالجرأة والشجاعة لاستغلال فرصة قد لا تعوّض، فأهدوا أول لقب لا ينسى وسوف يكرمون بما يليق بمقام الأبطال.الإدارة أدت أكثر من اللازمإدارة الرئيس بوبكر يخلف هي الأخرى نالت نصيبها من التقدير، فقد عرفت كيف تشجع اللاعبين بمنح مغرية ولم تبخل على رفع قيمتها ووفرت أكثر مما كان منتظرا من إمكانات وتحفيزات، ومنها تسديد الرواتب في الوقت المناسب.“عمراني.. عمراني يا عمراني”هذا ما هتف به الأنصار وهم يفجرون فرحتهم، منوهين في توفيق المدرب في كسب الرهان، رغم أن التعداد منقوص وشاب وتنقصه الخبرة، لكن بفضل حنكته وإخلاصه توصل إلى الوفاء بوعده، وهو إسعاد الأنصار. لقد رسم خطة محكمة مبنية على الأداء الجماعي، وعرف كيف يسيّر اللقاء في الشوط الثاني وحفز أشباله وحضّرهم خصيصا لليوم الموعود.المفرقعات تدوي مدينة بجايةرغم غلاء أسعارها، إلا أن كل شيء يهين في سبيل “الموب”، إذ اقتنى الأنصار الكثير من المفرقعات التي تعددت أشكالها واختلفت أنواعها في إضاءة سماء يما ڤورايا في هذه الليلة الخالدة. مخزون هذه المواد نفد بسرعة، لكن التجار وعدوا بتوفير كمية هائلة تكفي لتخليد الحدث.بجاية تتزين بالأخضر والأسودكل بجاية وبسرعة البرق، أمست مزينة بالأخضر والأسود، فقد تفنن الشبان في طلاء وصبغ مختلف الأرصفة والشرفات والجدران، وبحثوا في كل الاتجاهات عما يعبّر عن الولاء كون آلاف آلات التصوير حاضرة لتخليد المشاهد.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات