الجزائــر أصبحت جســرالليبييــن الرئيسي للعبــور إلى العالم

38serv

+ -

ثورة.. ففوضى.. ثم دمار، فشعب ينقرض ووطن ينتحر وبوصلة سياسية مفقودة، هي مفردات لخّص بها ركّاب الرحلة رقم 322 التي أتت من طرابلس، قبل ثلاثة أيام، حالة بلدهم، ووصفوا فتح المجال الجوي بين الجارتين بأنه فوهة رئيسية جديدة تخرج عبرها العائلات التي تجنّبت السفر برا نحو الجزء الغربي من العالم،فيما تستقر أخرى بالجزائر بحكم علاقات المصاهرة والقرابة التي تربطها خاصة بولايات الجنوب الشرقي. كالعادة، يعج بهو مطار هواري بومدين بالمسافرين ويضج بأصواتهم، لكن الجديد يوم الثلاثاء الماضي، هو هبوط طائرة الخطوط الجوية الليبية قادمة من طرابلس، بعد سنوات من غلق المجال الجوي بين الجارتين باستثناء فتحه لأسابيع العام الماضي.وصلنا إلى المطار قبيل لحظات من وصول الطائرة الليبية في منتصف النهار، وحينما أخبرتنا مضيفة الاستقبال بالمطار أن الطائرة الآتية من طرابلس قد وصلت، كان كلامها إشارة لنا لاختراق الحاجز الأمني والدخول إلى منطقة الوصول، غير أن أعوان الأمن فرضوا حراسة مشددة أرغمتنا على العودة إلى أدراجنا، وانتظار خروج أول الركاب ليروي لنا حالة بلد جريح  يتمزق نسيج مجتمعه بمخالب أبنائه.وبمجرد ما أعلنت المضيفة هبوط الطائرة، دنا أهالي الركاب باتجاه منطقة الوصول الأولى، علامات الحيرة والخوف مرتسمة على وجوههم، وأبصارهم مشدودة صوب المخرج، متلهفة لرؤية أقاربهم القادمين من وطن عمت فيه الفوضى.خرج أحد الركاب مهرولا ومثقلا بحقائب يجرها بعربة الأمتعة، لحقنا به مسرعين وجهرنا له بصفتنا، فتردد لكنه استرسل قائلا، “يركب الطائرة أكثر من 120 مسافر، جُلّهم ليبيون تربطهم أواصر مصاهرة وقرابة بسكان ولايات الجنوب الشرقي الجزائري، ومنهم من هو عابر إلى دول غربية فارين من أهوال حرب تأبى أن تهدأ، وبقيّتهم جزائريون ومغاربة. محمد ثاني الواصلين، شاب في عقده الثلاثين، بادية على محياه آثار إرهاق وتعب. اعترضنا طريقه وبادرناه بسؤال عن جنسيته ووجهته، ليرد “أنا من ليبيا وجئت إلى الجزائر عابرا إلى غرب أوروبا، والجزائر هي القناة الرئيسية نحوها، لأن المجال الجوي مع تونس يشهد تذبذبا، يفتح أحيانا ويغلق أخرى، ولأن وجهة الخطوط الجوية الأخرى بمطار معيتيقة تأخذ نحو الجزء الشرقي لها أو بعض الدول الإفريقية”.يبدو أن هذه الطائرة ليست محملة بالركاب ومتاعهم فقط، إذ حملت أيضا أخبارا عن ما فعلت “شياطين” العنف والقتل والدمار هناك، يضيف محمد “المسافر إلى تلك البلاد يعد في حكم من رتب موعدا مع الموت، مدنها شاحبة وبناياتها متناثرة نصفها منهار والنصف الآخر بالكاد، تتطلع في الأفق مترقبة سلاما مفقودا، بعدما عامت في سيل من دماء سكانها، وعمّت فيها الفوضى، واجتاحتها زوابع من نحاس التهمت كل ما ينبض بالحياة”.الطائرات تصبّ جحيمهاواصل المتحدث وصف المشهد بنبرات حزينة “إن الطائرات تصب جحيمها على المطار بين الفينة والأخرى، وتزامن يوم مجيئي قصف وفد المفاوضين المتجه نحو الجزائر في إطار مساعي الصلح والحوار التي تقودها الخارجية الجزائرية في المطار”، مشيرا إلى أن جارتهم الغربية أضحت السبيل الوحيد للمرور إلى مختلف دول العالم، لأن جل السفارات أوصدت أبوابها وعلّقت مهامها بسبب الوضع الأمني المتردي.وعن طبيعة المسافرين ووجهتهم، بعدما طاروا وجاؤوا بسلام، يقول محمد إن أكثرهم عائلات تربطها أواصر قرابة مع جزائريين، فرّت جوا بعدما تعذر عليها ذلك برا، كما تواصل أخرى رحلتها إلى دول أوروبية، فيما سيمكث الباحثون عن الأمن والاستقرار هنا بالجزائر.  تشبث.. على طريقة القذافيإبراهيم كشر، أستاذ جامعي، وطأت قدماه لأول مرة تراب الجزائر، خرج مُثقلا بالأمتعة والحقائب، متجها إلى مدينة آفلو بالأغواط لحضور ملتقى علمي حول المدارس الفقهية في المذهب المالكي، وحين جهرنا له بمُرادنا لم ير مانعا في ذلك واسترسل قائلا: “تزدحم الأفكار في ذهني لوصف حال ليبيا، هناك اختلطت الأمور ولم نعد نُميّز بين الصالح والطالح، فالساحة السياسية تعج بالشخصيات إلا أننا لم نبلغ السلام بعد”.  وعن وضع مطار طرابلس الدولي الذي كان مسرحا تتنازع عليه وفيه قوات فجر ليبيا وقبائل الزنتان، قال إبراهيم إن “مواضع هبوط الطائرات خُرّبت بالكامل وإن مبانيه المنهارة شاهدة على أهوال حرب حطت أوزارها، غير أننا في هذه الرحلة استعملنا مطار معيتيقة العسكري الذي بقي لائقا نسبيا للاستعمال”.ومن الجزائريين الذين ركبوا الرحلة كهل لم يشأ ذكر اسمه، لكنه لفت إلى أن له أقارب هناك في ليبيا تنقل ليطمئن عليهم، مشيرا إلى أن الرحلة كانت آمنة وسهلة من حيث الإجراءات، نافيا وجود جرحى أو شخصيات سياسية قادمة في إطار حوار الجزائر. سألنا محدثنا عن مجازفته وركوب الأخطار بسفره إلى ليبيا، رد بأنها حتمية ولخص كلامه “من يركب البحر لا يخشى من الغرق”.الجوية الليبية تشيد بالجزائرشكرت الخطوط الجوية الليبية، في بيان لها، السلطات الجزائرية على موقفها مع ليبيا وتعاونها بفتح خط طرابلس الجزائر، مشيرة إلى أنه عوّض العجز الذي خلّفه إقدام السلطات التونسية على غلق خط طرابلس صفاقس، وهو الخط الذي كان يطير عبره الليبيون لبلوغ الدول الغربية لقارة أوروبا وأمريكا الشمالية.    

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات