+ -

المقصود هنا الحديث عن الدولة مجازا، لأن الدولة الوطنية لم تقم بعد، أي دولة المواطنين والمؤسسات والقانون، وكل ما هنالك، حتى الآن، بنيات هشة، بين بنيات تقليدية، سواء في شكل قبلي أو عصبي، وبنيات شبه حديثة، مثل الإدارات وخاصة الإدارات الدائمة للدولة مثل السلطة النقدية (بنك الجزائر) أو الضرائب أو الجمارك أو الإحصاء، وقد أوصلتها هذه السلطة إلى حالة تهديد ليس في وظائفها وفي مصداقيتها وفعاليتها بل في وجودها.ويظل احتكار السلاح بيد الجيش وأجهزة الأمن المختلفة مسألة لا تقل أهمية أيضا، ولكن لا يمكن حماية ذلك من دون دولة تتمتع بالشرعية وبالسلطة المعنوية قبل السلطة المادية.هذه الصرخة ـ الدعوة تأتي لأن الكثير من ملامح الوضع مخيفة، ومنها على الخصوص الانسداد والعجز عن نقل البلاد من منطق العصب المدمر إلى منطق التمثيل والشرعية والخروج من التدافع المحموم على نهب المال العام والاستحواذ شبه الكامل على الريع النفطي إلى منطق التدافع على إنتاج الثروة في إطار قانوني شفاف وقائم على الاستحقاق وإنتاج النمو والتنمية، ورفض الخروج من الدولة السلطوية إلى دولة المؤسسات ودولة المواطنين والقانون.نعم، لقد سارت بنا هذه السلطة بالاتجاه المعاكس وأثبتت، المرة بعد المرة منذ 1999، أنها ليست مهتمة ولا معنية ببناء دولة بقدر ما هي مهتمة ببناء إمبراطوريات مالية وتجارية واستنزاف خزينة الدولة من أجل تلك المصالح وجعلها أداة النفوذ والسلطة.طبعا، الكلام هنا موجه أساسا لمن يحكمون ولمن يتصارعون ولمن يتقاسمون الجزء الأكبر من خيرات البلد، الكلام موجه للنخب لكل النخب وهو موجه لقادة الجيش وقادة ”الأمن” وموجه لقادة الرأي (إن كان هناك قادة رأي من السياسيين والإعلاميين) وموجه لرجال الدين، الكلام موجه لدعاة الأمازيغية ودعاة العربية ودعاة التغريب والفرنسة، الكلام موجه للجميع.. لا تدمروا الدولة لا تجعلوا مصالحكم وقناعاتكم تعرض الدولة بأي شكل من الأشكال لمخاطر الانهيار. تحالفوا ضد السلطة وليس ضد الدولة، بل لنتحالف من أجل إنقاذ الدولة. الدولة في حاجة للحماية وفي حاجة لاستكمال أركانها مثلما وردت في بيان أول نوفمبر.هذه السلطة فاسدة، وفسادها كارثة على الجميع بالدرجة نفسها، وهي ظالمة للجميع بالدرجة نفسها، وهي تتلاعب بمصالح جميع الجزائريين بالدرجة نفسها، إنها ليست، في كثير من الأحيان، في خدمة ثقافة الجزائريين على تنوعها، إنها تتحالف مع المصالح الداخلية والخارجية على المواطنين بما يخدم استمرارها وفقط.ولكن إن كان الإمام فاسدا، فمع ذلك لا يمكن أن نفتي بتدمير المسجد. نعم، ينبغي أن نعمل، ومن الأفضل جماعيا وبتوافق واسع جدا، من أجل دفع هذه السلطة إلى باب الخروج بلا عودة، وأن نحدّ من سطوة هذه المصالح المتكالبة على خيرات الجزائريين والمتكالبة منذ فترة على الدولة وعلى القانون، والتي دمرت المؤسسات، أو ما كان موجودا منها ولو بشكل بالغ الهشاشة، أفسدت الضمائر والنفوس، دمرت الأخلاق وقتلت حب الوطن والغيرة عليه.ومع ذلك، لا تدمروا الدولة.. لا تتلاعبوا بوحدتها واستقرارها.ولكن هل هناك ما يمكن أن يقف في وجه الانهيار؟ الواقع جل المعطيات التي تتراءى أمامنا تدفع لتشاؤم مرير وإلى إحباط عميق.هل مازال في دواليب السلطة وفي الدولة العميقة ما يمكنه أن يوقف مسار انحلال الدولة وإفساد كل أدواتها؟ ذلك ما يتمناه جل المواطنين، ولكن المرض عميق وهو نخر جل جسم الدولة وجعل أركانها واهية خاوية طاردة للذكاء حاضنة للفساد بل ومستسلمة له.نعم، مثل هذا الشك صار يقتلنا، نشر فينا الخوف على ما تبقى من الدولة وعلى الوحدة وعلى الاستقرار. فعوض أن نناضل جماعيا من أجل المواطنة الكاملة ومن أجل حل كل مشاكلنا وقضايانا، تشرذم الناس ثقافيا ولغويا وسياسيا بل واجتماعيا.لا يمكن الوصول لأي شيء من غير قيام دولة حقيقية ولا يمكن لأي مكون اجتماعي أن يحقق ما يصبو إليه من غير الدولة، طبعا دولة المؤسسات ودولة المواطنين ودولة سيادة القانون. ولكن هذه الدولة لم تكن ممكنة مع دولة ـ السلطة ولن تكون ممكنة مع سلطة ”الكليبتوقراطية”، لا بد من نهاية لها لأن ذلك شرط استعادة الدولة لهيبتها وسلطتها وشرط لدعم أركانها وتحويلها لدولة معبرة عن مواطنيها كل مواطنيها.

[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات