المرأة الحديدية، اللقب الذي أطلق على مارغريت تاتشر، عندما كانت تتزعم حزب المحافظين البريطاني العام 1975، وترأس الحكومة البريطانية بين عامي 1979 و1990، اتخذت خلالها مجموعة من القرارات العسكرية والاقتصادية والسياسية القوية والجريئة. ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو حديدية بالنسبة إلى من؟ وهل الاقتراب من الأداء السياسي للرجل، يمثل معيارا للنجاح والتمايز بالنسبة إلى المرأة؟إن محاولة الرد على هذا التساؤل لا تشمل فقط أداء تاتشر، ولكنها تجرنا إلى البحث في السلوك السياسي لكل من كوندوليزا رايس ومادلين أولبرايت وهيلاري كلينتون وغيرهن ممن وصلن إلى هذا المستوى من دوائر صنع القرار. وتبقى حالة ميشال أليو ماري وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة، الأكثر وضوحا في محاولة التزامها بالمعايير الذكورية من أجل الامتياز، عندما عرضت المساعدة بالخبرة والمعدات الأمنية على الرئيس التونسي السابق بن علي، لقمع المظاهرات، وهو قرار لا علاقة له بمعايير الأنوثة، الأقرب إلى اعتماد الحوار لتحقيق السلم والاستقرار في مثل تلك الحالة.إن صفة القوة بالمفهوم التقليدي للقوة، وكذلك صفة ”الحديدية”، خاصيتان مفروضتان بحكم العرف والواقع الثقافي على أي امرأة تسعى لأن تحتل موقعا، أو تلعب دورا في النظام السياسي لأي دولة، بينما إشراك المرأة بعملية صنع القرار، يقوم ابتداء على قاعدة مشتركة من المؤهلات والخبرة، مضافا إليها خاصية كونها امرأة، وهي خاصية في غاية الأهمية، لأن كونها امرأة، يعني أنها مختلفة، واختلافها يمثل مصدر إثراء، بما تحمله من خصائص أنثوية إيجابية بحكم تركيبتها، توازن بها ما يحمله الرجل من حيث كونه مختلفا، من خصائص ذكورية إيجابية، من حيث تركيبته الطبيعية. وفي هذا السياق، يمكن القول إن ميشال أليو ماري كانت ضحية لتلك المعايير التقليدية المكتسبة والمفروضة (أقصد معايير القوة)، وهي التي كانت من قبل وزيرة الداخلية والدفاع، الأمر الذي جعلها تحاكي الرجل، ليس فقط في المؤهلات والمتطلبات المهنية المشتركة، ولكن من حيث طبيعته كرجل، فالجيش وما يرافقه من معاني القوة والسيطرة والنفوذ والطاعة والتوسع، هو من اختراع الرجل، وآلة الحرب من البندقية إلى الصاروخ من تصنيع الرجل، واتخاذ قرار الحرب بيد الرجل، والذي يدمر البيئة هي الشركات العملاقة التي يديرها رجال، والذي يقود عمليات الفساد بجرأة وشراهة وطمع غير محدود هم رجال، وحتى قصائد الهجاء اللاذعة بكل ما تضمه من عنف لفظي ومعنوي ينظمها رجال، ومؤخرا كنت أقرأ عن الغيرة القاتلة التي كانت تسود بين الفقهاء والعلماء حول ما ينتجونه، وما يحظون به من مواقع روحية، عبر تاريخنا الإسلامي وهم رجال، بينما تنحو المرأة بطبيعتها إلى السلام، وإلى حماية البيئة، حيث نجد النساء يشكلن أغلبية أعضاء أحزاب الخضر، والنساء عادة هم الأقل فسادا من بين أولئك الذين يحتلون مناصب ومسؤوليات سياسية. ولمثل هذه الأسباب، ينادي كثير من الفلاسفة والحكماء بضرورة إشراك النساء في دوائر صنع القرار، على اعتبار أن تأنيث المؤسسات يحقق مزيدا من التوازن في القرارات التشريعية والتنفيذية، ومن ثم فإن الرؤية المعرفية لهذه القضية تؤكد أن المؤسسات الذكورية البحتة، هي مؤسسات تسود فيها رؤية أحادية للنوع البشري، بينما يقوم مبدأ الخلق والكون على مبدأ الزوجية، كي يتحقق التناغم، فالعملية على المستوى الإنساني يمكن تشبيهها بالتوازن البيئي، ويسميها فريختوف كابرا التوازن الإيكولوجي. ومن هذا المنطلق، لا ينبغي أن تسابق المرأة الرجل فيما يخص معاييره هو، كما فعلت ميشال أليو ماري في العرض الذي قدمته للرئيس التونسي السابق، لتقلد الرجل في طبيعته من حيث ميله إلى العنف. وفي هذا السياق، لا يغيب عنا إدراج نموذج الملكة بلقيس التي اتخذت قرارا نأت من خلاله بشعبها عن مآلات الحرب وآثارها السلبية، وهو قرار يعود إلى حكمتها كامرأة، أي إلى مرجعية الأنوثة ومعاييرها.وفي ظل هذه المعطيات الأولى أن تبتعد المرأة عن السعي لتغيير طبيعتها، من أجل الدخول في معايير المنافسة مع الرجل لكي تنتزع الامتياز، ففي طبيعتها الأنثوية خصائص تنفرد بها كامرأة، ومن ثم فإن إشراك المرأة في مختلف مؤسسات الدولة لا يمثل جزءا من استكمال الصورة الديمقراطية الشكلية، واستظهارا أمام المجتمع الدولي، بقدر ما ينطلق من استشعار الافتقار لتواجدها، من حيث الكفاءة والطبيعة. وعندما نقول كما جاء في العنوان ”عندما تتشبه النساء بالرجال في السياسة”، فإن ذلك لا يعني التشبه في معناه ومفهومه التقليدي، لأن هناك منطقة تداخل إنسانية مشتركة في مجال الكفاءة بين الرجل والمرأة، ولكن التقليد الخطأ، هو في التقليد الذي يتضمن اعتداء على الطبيعة ومبدأ الزوجية فيها، وهو يمثل اعتداء على المرأة والرجل معا، ويحرم المجتمع من ذلك الإثراء المتبادل بعيدا عن معيار الحديدية. وربما لهذا السبب، حذرنا ديننا من التشبه ببعضنا البعض، وهكذا ينبغي أن نستوعب الحديث الشريف، بعيدا عن الفهم التقليدي الذي يركز على المظهر والشكل، ففي اختلافنا تكمن عوامل التناغم بين جوهر الأنوثة وجوهر الذكورة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات