38serv
أكد الشيخ محمد بن عبد الكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، أنّ خطاب التشدد الديني والتطرف ”تَكَوَّنَ في إطار طرح فكريٍّ ضال”. وأوضح في حوار مع ”الخبر” خلال زيارة عمل قادته إلى الجزائر، أنّ الرابطة ”قامت ولا تزال بتعبئة علمية وفكرية لمواجهة تلك الأفكار المنحرفة، ودخلت في تفاصيل أطروحتها، فنقضتها بلغة ميسرة وكشف يسير يستوعبه الجميع”. وأثنى على جهود العلماء والمفكرين الجزائريين، أعضاء الرابطة، من خلال دورهم المهم في إيضاح حقيقة ديننا حول العالم والتصدي للتطرف المحسوب زورًا على الإسلام والتطرف المضاد، وأعني به حملات الإسلاموفوبيا، ضمن رسالة الرابطة في نشر الوعي ومواجهة التطرف والإرهاب والعنصرية البغيضة، وأيضًا عموم الجهل بالإسلام، سواء من الداخل الإسلامي أو خارجه.
تغيّرت رؤية رابطة العالم الإسلامي كمؤسسة حوار برئاستكم، كيف تمّ هذا الانتقال في الرؤية داخل الرابطة؟ لا بد للمؤسسات الفاعلة ذات الوزن والتأثير من خطاب وحضور ينسجم مع رسالتها وأهدافها، فكيف إذا كان الحال مع مؤسسة دينية بحجم رابطة العالم الإسلامي، حيث تشع من قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم امتداداً لخطاب الإسلام المستنير الذي انطلق من تلك البقاع الطاهرة وبلغ مشارق الأرض ومغاربها لأكثر من 1400 عام ولا يزال بحمد الله وسيظل حتى قيام الساعة، فالرابطة برسالتها هي امتداد لهذا العمر المديد والحافل، حيث رابطة الإسلام التي نلتقي حولها ونستظل بظلالها.ورؤية الرابطة تنطلق من أفقها الإسلامي الواعي في بعده الوسطي المعتدل، وعلى أساس من اهتمامنا بالخطاب والعمل الإسلامي المؤسس على قيم الاعتدال أدركنا أهمية أن تكون الرابطة على مستوى الثقة بها والتطلع إليها، بعيداً عن أيّ عمل من شأنه أن يرتد سلباً على سمعة الإسلام والمسلمين، قبل أن ننظر إلى ارتداده على سمعة المؤسسة، فهذا أمر مفروغ منه. نعم تهمنا سمعة الإسلام والمسلمين، وقبل ذلك يهمنا أن نقدم الإسلام كما نزل غضاً طريقاً نقياً من الدخل والدخن ومن لوثات الاختطاف والتوظيف، والتمندل بالدين جريمة فوقية ولسنة الخالق مع مجرميه عظات وعبر.تسعى الرابطة لاستئصال التشدّد الدّيني والتطرّف الّذي شكّل مدخلا للإرهاب، كيف سيتمّ ذلك؟ نحن في الرابطة على يقين بأن الفكر لا يواجه إلا بالفكر، وهي القوة الناعمة في تفكيكه، فهو لم ينشأ ـ بفعله الضار ـ سواء في سياق تطرفه العنيف أو عمله الإرهابي نتيجة كيان سياسي أو عسكري، بل تَكَوَّنَ في إطار طرح فكريٍّ ضال، استطاع تسويقه في منطقة فراغ سابقة اكتفت بالتنديد به بشكل عام، على حين نجده يتعمق بأيديولوجيته في منطقة الاعتدال الإسلامي، وهي السائدة كما نعرف، مدعوماً بغطاء خطر وهو توظيف العاطفة الدينية التي استطاع استغلالها بالمزاعم والتضليل ناسفاً قواعد الشريعة في فقه الأولويات والموازنات والترجيح بين المصالح والمفاسد، ليخرج بعَتَهٍ محسوب في رأي كل غر مختطف على الدين (فقهاً وفكراً)، نعم لم يكن هناك حضور علمي وفكري يستشرف بالقدر اللازم أهمية التصدي والنقض، وذلك في عموم عالمنا الإسلامي، بل وكذلك في بلدان ما يسمى بالأقليات أو الخصوصية الدينية والثقافية وهي لا تقل أهمية عن غيرها، حتى التحق بداعش منها أعداد صادمة ممن ولدوا ونشأوا وتعلموا في بيئات غير مسلمة، وفي الغرب تحديداً، والسبب اختراق عاطفتهم الدينية وردة الفعل تجاه حملات الإسلاموفوبيا.قامت الرابطة ولا تزال بتعبئة علمية وفكرية لمواجهة تلك الأفكار المنحرفة، ودخلت في تفاصيل أطروحتها فنقضتها بلغة ميسرة وكشف يسير يستوعبه الجميع عبر وسائل الإعلام الجديد وبعدة لغات وعبر الحوارات والمؤتمرات والكتب والنشرات والمبادرات التي نطلقها في المنصات العالمية التي يتلقاها الجميع بآذان صاغية، كما نعمل على عقد لقاءات دورية مع رموز التأثير في العلم والفكر والدعوة، وبخاصة في مواسم الحج والعمرة حيث تتشرف الرابطة سنويا باستضافة أعداد غفيرة من هذه الطليعة الإسلامية، ويكون خلال ذلك عصف ذهني يتركز على تلمس الوعي الواجب ووضع آليات تمكينه ونشره، ومن هذه الطليعة المراجع والقيادات الإسلامية في البلاد غير الإسلامية. حيث تهتم الرابطة بتعزيز الوعي لدى المسلمين في تلك البلدان، ومعالجة الصعوبات التي يواجهونها للإسهام في حماية شبابهم من اختراق التطرف، ولاسيما محاولة استغلال عاطفتهم الدينية بشبهات ومزاعم وتضليل ما لم يتم تفكيكها فإنها تحمل في طياتها خطراً على سلامة فكرهم وسكينتهم وسلمهم.وفي المقابل، واجهنا خطراً يمثل التطرف المضاد؛ نعني به أصوات اليمين المتطرف في الغرب وتصديره لنظريات الكراهية نحو الإسلام، أو ما يسمى كما أشرنا بالإسلاموفوبيا. وبحسب دراساتنا، فإن (التنظيمات الإرهابية خطفت من الشباب المغرر به بفعل شؤم اليمين المتطرف ما لم تخطفه بأي تدابير أخرى)، فذلك اليمين أحد صناع التطرف والإرهاب، ويكفي ما نسمعه ونقرؤه على ألسنة من عادوا لرشدهم من أولئك الشباب، فكثير منهم كان ضحية فخ تضخيم فكرة المؤامرة ضد الإسلام، مشيرين إلى نماذج من مزايدات ذلك اليمين المتطرف الذي يدرك بأن أطروحته العنصرية لن تقدم خطوة واحدة لبلاده، بل على العكس تماما، لكنه يراهن على مشروع الانتخابي أمام السذج، فماذا يفيد من قوله لا مقام للإسلام في أوروبا ولا خصوصية للمسلمين على أرضنا، بينما المسلمون مواطنون على تلك الأرض وهم مثله سواء بسواء في الحقوق والواجبات بحسب دستوره، وقد يقول المسلم إن من حقي كمواطن (في بلده الغربي مثلاً)، أن أقول لا مقام لذلك المتطرف على أرض وطني الذي أضحي من أجله، فلا امتياز مطلقاً لأحد على الآخر، فالكل مواطن وليس لأحد الحق في أن يتكلم بلغة فوقية، فهم أمام الدستور والقانون سواء، ومن خالفهما كان عرضة للجزاء. ومع ذلك، فقد أكدنا للجميع أنه يجب احترام دساتير وقوانين وثقافة البلدان التي يعيشون فيها، وأنه ليس من خلق المسلم النكث ولا الخيانة ولا الغدر، ومن حق المسلمين في تلك البلاد المطالبة بخصوصيتهم الدينية وفق الدستور والقانون، فإن تم مرادهم فذاك والحمد لله، وإلا وجب عليهم ـ تطبيقا ـ احترام أدوات الحسم الدستورية، وهذا لا يمنع من أن يُبدوا اعتراضهم السلمي عليها، ومعاودة المحاولة وعدم اليأس، فالحكومات والبرلمانات والقوانين، وحتى المبادئ القضائية تتغير، والفرد والجماعة تفرض نفسها بقيمها وسلوكها وحسن تعاملها أكثر من أي شيء آخر، وقد قال سبحانه عن نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم: ”فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك”.علمنا من خلال الأمين العام للمجلس الإسلامي الأعلى السيد بومدين بوزيد، أن هناك اتفاقية تعاون بين الرابطة والمجلس جاهزة للتوقيع وتفعيل التعاون، ما فحوى هذه الاتفاقية؟ وإن وُقِّعَت، كيف سيتمّ تفعيلها؟ مشــروع الاتفاقيــة يشـمل التعـاون والتبـادل مـع المجلــس الإسلامي الأعلى لتحقيق أهدافنا المشتركة، وسيشمل ذلك الجوانب العلمية والفكرية وتنظيم الفعاليات وتبادل الزيارات وورش العمل الموصلة لتلك الأهداف، ومن هنا يكون التفعيل، ورابطة العالم الإسلامي تثمن الاعتدال الإسلامي لدى أشقائنا في الجزائر وتستصحب تاريخهم المشرف.كيف تنظرون إلى علاقة الرابطة مستقبلا بالمؤسسات الدّينية الجزائرية والمغاربية؟ ستكون بإذن الله منسجمة تماماً مع النيات الطيبة التي تنطوي عليها الأفكار المستنيرة، حيث تنطلق منها وتُشع بها، وإذا أعلن الجميع هدفاً واحداً كان لزاماً أن يكونوا عليه قلباً واحداً، قد تختلف الآليات، لكن الأسس والمنطلقات والأهداف واحدة. كما يلزم كذلك أن نحترم تنوع الاجتهاد في مفاهيم رحابته وسعته، وهو عموماً كذلك خذ مثلاً إسحاق الأنباري قد صنف كتاباً سماه كتاب ”الاختلاف”، فقال له الإمام أحمد بن حنبل سمه كتاب ”السعة”، وقد قال العلامة المَقَرّي: ”تعلم الخلاف يتسع صدرك”. يجب أن نكون على هذا الأفق وأن نحسن الظن ببعضنا ونحترم تنوع اجتهادنا، ومن أراد حمل الناس على رأيه وضاق بغيره، فضلاً أن يُشَنّع عليه أو يجفوه فقد سلك العنت والمرتقى الصعب.ما دور الرابطة في نشر قيم الوسطية وحلّ النزاع في البلدان الإفريقية، كإفريقيا الوسطى والساحل الإفريقي، والصراعات في باقي دولها؟ هذه البلدان تدخل ضمن برامج الرابطة مثل غيرها، ولاسيما مبادراتنا في الإسهام في تعزيز متطلبات السلام والوئام ونشر الاعتدال، ولا يخفى أن لقاءات الحوار والتقريب والدعم اللازم بمفهومه المجرد تماماً مهمة وتعمل عليها الرابطة، وعندما أقول الدعم المجرد أقصد أن الرابطة لا تساوم أبداً على أي عمل تقدمه، كما أنها لا تفرق في عملها الإنساني لأي تصنيف لا ديني ولا عرقي ولا غيره، وهذا هو منهج الإسلام الذي قال: ”في كل كبد رطبة أجرة”، بل قال تعالى: ”ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً”. فقد قرن الله في هذا السياق إطعام الأسير، وهو العدو المحارب، بإطعام المسكين واليتيم، هنا تتجلى إحدى قيم السمو الأخلاقي للإسلام، ولم يساوم الإسلام يوماً أحداً على اعتناقه بأي مقابل مادي.ومتى قدم كل طرف تنازله المعقول وأحياناً الواجب في مقابل تنازل مماثل ومتى تفهم كل طرف حق الآخر في التنوع وأهمية حمايته، وكذلك متى كان محايداً ومنصفاً في تقبل حسم الطرف المحايد، وهو المحكَّم أو المتداخل للتقريب أو الصلح أو النصح كانت النتائج دوماً إيجابية وتبشر بالوئام، بل وفي مستقبل زاهر للجميع حيث لا تنمية ولا ازدهار ولا وئام ولا أمن دون الأخذ بصوت المنطق والعقل والرؤية الرشيدة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات