الإدمان على المخدّرات والمسكرات وأثرها على الفرد والمجتمع

38serv

+ -

من الابتلاءات الخطيرة الّتي تصيب المجتمع مشكلة إدمان المخدّرات والمسكرات بين أفراده، وهذه الآفة لها خطورتها وآثارها السيّئة على الفرد والمجتمع، وهي مرض لابدّ من التصدّي لعلاجه ومداواته بكلّ حزم وقوّة، قبل أن يستفحل ويأتي على الأخضر واليابس، كما يتطلّب الأمر تضافر جهود الجميع من مسؤولين ومواطنين وبخاصة أولياء الأمور. المخدّرات مواد نباتية أو كيماوية لها تأثيرها العقلي والبدني على مَن يتعاطاها فتصيب جسمه بالفتور والخمول وتشلّ نشاطه وتغطّي عقله كما يغطّيه المسكر، والمسكرات جمع مسكر، وهو لغة مشتق من الفعل سكر سكرًا، والسُّكر حالة تعترض بين المرء وعقله، وأكثر ما يستعمل ذلك في الشّراب، وهو ما يحبس العقل أو يغطّيه ويستره أو يحجره عن الوعي والإدراك المسلمين، وقد سمّى العرب كلّ سكر خمرًا، بينما الخمر هو اسم لكلّ ما خامر العقل أي غطّاه سواء كان رطبًا أو يابسًا أو مأكولاً أو مشروبًا ففي الحديث “كلّ مسكر خمر وكلّ خمر حرام”، وقال صلّى الله عليه وسلّم: “ما أسكر كثيره فالقطرة منه حرام”.فالإدمان على الكحول والمخدّرات مرض بدني نفسي اجتماعي، له عدّة أسباب وبواعث من أهمّها: ضَعف الإيمان وضَعفُ الوازع الدّيني، ووسائلُ الإلهاء والمغريات الكثيرة الّتي أبعدت النّاس عن هديّ الله وذِكرِه وهوّنَت عليهم ارتكاب أيّ محظور وأنتجت قلّةَ الخوف من الله، والفراغ القاتل والبطالة سوقٌ رائجة للمخدّرات والمسكرات، سيما عند الشّباب، ومصاحبة أصدقاء السّوء ورفاق الشرّ الّذين يهوّنون من أمرها ويجرّئون أصدقاءهم على المنكر، ويدعّم ذلك التوجّه السّلبي ورغبة بعض المراهقين في الشّعور بالاستقلالية والتحرّر من القيود الأسرية والتمرّد على القيم.والمخدّرات والمسكرات محرّمة في الشّرع الحنيف لمَا فيها من الأضرار والمفاسد، قال تعالى: {يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، ولقد ورد النّهي في السنّة النّبويّة عن كلّ مسكر ومفتر. قال الإمام الخطابي: المفتر كلّ شراب يورث الفتور والخور في الأعضاء.وللإدمان آثار سيّئة على المجتمع، ففيه إهدار الثّروات البشرية الاقتصادية للوطن، فأعمار المدمنين هي في سن الشّباب غالبا وهي مرحلة العمل والإنتاج، والمخدّرات غالية الكلفة، ما يعني تسرّب الثّروة والمال في نواحي لا تفيد التنمية الاجتماعية، كما يؤثّر الإدمان على حياة المجتمع فربّما تظهر جرائم الاغتصاب والاعتداء والقتل وحوادث السيارات وانتشار الأمراض المعدية، وتهديد قيم المجتمع الدّينية والأخلاقية والسّلوكية.وإنّ تعاطي المخدّرات والمسكرات يؤثّر على الحياة الاجتماعية تأثيرًا سلبيًا، فانشغال المتعاطي بالمخدّر يؤدّي إلى اضطرابات شديدة في العلاقات الأسرية والرّوابط الاجتماعية، فكم مزَّقت المخدّرات والمسكرات من صِلات وعلاقات، وفرّقت من أُخُوَّةٍ وصداقات، وشتَّتت أسرًا وجماعات، وأشعلت أحقادًا وعداوات، قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ}.والشّريعة الإسلامية لمّا حرّمَت المخدّرات والمسكرات لأنّها عظيمة الأخطار جسيمة المضار وخيمة العواقب على الصحّة والعرض والمال والدّين والدّنيا والآخرة، وهي مفتاحُ كلّ شرّ كما أخبرَ بذلك النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم حين قال: “لا تشربِ الخمرَ؛ فإنَّها مفتاحُ كلّ شرّ”، وصدقَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، فهي مفتاحُ الزّنا والقتلِ والسّرقةِ للحصولِ على المالِ، وهي الطّريقُ إلى الانتحار وسَبَبُ العقوقِ والحوادثِ المروريةِ وإهمالِ الزّوجةِ والأولادِ والوظيفةِ، وغير ذلك من الشّرور الّتي لا يحيط بها إلاّ الله.إنّ النّهايةَ الحتميةَ لمتعاطي هذه المحرّمات إمّا السّجونُ، وإمّا المستشفياتُ النّفسيةُ، ناهيك عن تدميرِ الأسرةِ وطلاقِ الزّوجةِ وضياعِ الأولادِ والعُزلةِ الاجتماعيةِ وغيرِها من النّهاياتِ الشقيّةِ لمَن عصى ربّه وأطاعَ شيطانه وتأثرَ برُفقاءِ السّوءِ.ألاَ فليتّق الشّبابُ الله وليشكروه على نِعَمِه، نِعمَةِ الدّينِ المحكمِ الّذي أُحِلَّتْ لنا فيه الطيّباتُ، وحُرّمت علينا فيه الخبائثُ، وعلى نعمةِ العقل.والله أعدّ لمتعاطي المخدّرات والخمور عقوباتٍ دنيويةٍ وأخرويةٍ، أوّلُها اللّعنُ والطّردُ من رحمةِ اللهِ، فعن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه قال: سمعتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم يقولُ: “أتاني جبريلُ فقال: يا محمّدُ، إنّ الله عزّ وجلّ لعنَ الخمرَ وعاصرَها ومعتصرَها وشارَبها وحاملَها والمحمولةَ إليه وبائعَها ومبتاعَها وساقيها ومستقيَها”. وعنِ ابن عبّاسٍ قال: قال رسولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم “مَنْ لَقِيَ اللهَ مُدْمِنَ خَمْرٍ لَقِيَهُ كَعَابِدِ وَثَنٍ” أي إن مات من غير توبة. وعن أبي موسى رضي الله عنه أنّ النّبيّ قال: “ثَلاثَةٌ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّة: مُدْمِنُ الْخَمْرِ وَقَاطِعُ الرَّحِمِ وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ”.هذا وإنّ علاج هذه الآفة يكون أوّلاً بالوقاية من الوقوع في حبائلها وذلك بتقوى الله عزّ وجلّ ومراقبته في السرّ والعلن، والاحتماء بحضن الأسرة المسلمة ودفئها حيث الحبّ والحنان، ونشر التّوعية بخطورة المخدّرات وأساليب ترويجها، وتوعية أرباب الأسر بالاهتمام بأفرادها، وأهمية ذلك لوقايتهم من هذا الشرّ المستطير، وإنزال أقصى العقوبات بالتجّار والمروّجين، وغلق كلّ المنافذ الّتي تسهّل الوصول إلى هذه الآفة الخطيرة. كلية الدراسات الإسلامية

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات