38serv

+ -

تكثر حفلات الزواج والأعراس في العطل الصيفية؛ ولكن مع الأسف تشهد الأعراس في بلادنا في كلّ سنة تجاوزات ومخالفات خطيرة يؤدي بعضها إلى هلاك الأرواح بسبب الإفراط في التعبير عن مشاعر الفرح والسرور، فتتحوّل الكثير من الأفراح إلى أتراح ومآتم وأحزان، كل ذلك لخروجنا عن توجيهات وتعاليم ديننا الحنيف في الالتزام بآداب العرس وأخلاقياته، لهذا وجب التنبيه والتذكير بالآداب الإسلامية للأفراح والأعراس..

لقد حثت الشّريعة الإسلامية على الفرح وجلب السرور وإدخاله على المسلمين في كل وقت، بل وذمّت تذكر الأحزان واسترجاع الذكريات الأليمة الّتي مرّت خلال حياة الإنسان وسني عمره، ولا يستطيع عاقل أن ينكر أن من أَوْلى الأوقات بالسرور والفرحة هي وقت يوم خطبتهم أو زواجهم؛ وذلك لما في هذه الأيام من فرحة غامرة بذلك اليوم الذي يُكلّل فيه سعي الزوجين كليهما بالارتباط بطرفه الآخر على سُنّة الله ورسوله، وهذا من تمام شكر نعمة الوهاب جلّ جلاله، الّذي يعطي كثيرًا ويمنح كثيرًا؛ لذلك فإنه يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده بالفرح والسرور والاغتباط والسعادة.وإنّ من مخالفات الأعراس الإسراف؛ الإسراف في المأكل والمشرب، فتقام الولائم العظيمة، وتذبح الذبائح المتعددة، ويؤتى بألوان الحلوى والعصائر والمشروبات وبكميات ضخمة تكفي لإطعام قرية بأكملها، فيأكل من يأكل من المدعوين، ويشرب من يشرب، ويبقى فائض الطعام والشراب بلا صاحب، فلا يجد إلا صناديق القمامة.والإسراف في مراسم الاحتفال نفسها، فيأتي أهل العريس أو العروس بمَن يُحيي الحفل من المطربين والمطربات، التي تنزع البركة من الحفل، وتشيطن العروسين بالكلمات الماجنة والألحان الشيطانية، فبدلاً من أن تحلّ بركة الزواج الذي جمع بين العروسين بكلمة الله، تحلّ الشياطين بالمكان وتخرج منه الملائكة زهدًا في المعصية واستجابة لأمر الله تعالى بالبُعد عن مواطن الفتنة.هذا فضلاً عمّا تتلبس به النساء من مخالفات في هذا اليوم؛ بحجة كونه يوم عرس واحد في العام، بل قد يكون يومًا كل عدة أعوام، فيتحللن فيه من العفّة والأخلاق، ويلبسن الملابس الفاضحة الّتي تشف وتصف وتفضح جسد المرأة أكثر ممّا تستره، ولا يخفى على ذي بال مدى خطورة هذا الأمر حتّى ولو كان بين مثيلاتهن من النساء، وبخاصة مع انتشار الهواتف الذكية واستغلالها في تصوير خصوصيات العوائل ومن ثمّ نشرها عبر وسائط التواصل الاجتماعي أو استغلالها في ابتزاز من تصوّر في تلك الحفلات.ولكن الأخطر والأعظم هو فيما يحدث في مواكب سيارات الأفراح والتي أضحت تثير استياء الكثيرين، فلم يعد يكفيهم إطلاق منبهات السيارات بل يستعملون السرعة المفرطة من أجل جذب الانتباه والتباهي والافتخار بالعلامات المميزة لمركباتهم.لقد باتت تصرفات هؤلاء في الأفراح مصدر قلق وإزعاج حقيقي للمارة، لما تشكّله من خطورة ومآسي غالبًا ما تحوّل العرس إلى مأتم.لقد أصبحت هذه الظاهرة عادة لدى الشباب في كلّ مناسبة وطنية أو عائلية، إذ لا يفوتون الفرصة للتعبير عن فرحتهم بمثل هذه الطريقة الخطيرة. حيث تتحوّل مواكب الأعراس في الكثير من الأحيان إلى مآتم جرّاء حوادث المرور، والسبب في ذلك غالبًا شباب متهوّرون يحتلون الطريق باستعراضاتهم العشوائية أثناء قيادة سياراتهم، معرقلين حركة المرور، فضلًا عن استعمال السرعة المفرطة الّتي كثيرًا ما تودي بحياة أبرياء وكذا المآسي. إلى جانب انشغالهم بالموسيقى الصاخبة أثناء القيادة بالإضافة الى أشياء أخرى لا تقلّ خطورة عمّا ذكرناه مثل عدم إعطاء الحقّ في الطريق للغير، كلّ هذه السلوكات اللامسؤولة تفقد حتمًا السيطرة على القيادة فتحدث الكارثة ويدفع الثمن أرواح بشرية...وعلى السلطات المعنية أن تمنع مثل هذه التصرّفات لما تسبّبه من أذى للآخرين، خاصة وأنها تحدث في طريق عمومي يرتاده جميع الناس، وليس ملكية خاصة حتّى يتجرأ هؤلاء على مثل هذه السلوكات اللامسؤولة، حيث يتجرؤون على القيام بذلك بدافع حبّ الظهور والتباهي أمام الآخرين.فلا بدّ من الردع واتخاذ تدابير صارمة في حقّ كلّ مَن تسوّل له نفسه بالتهور أثناء القيادة الّتي أضحت تهدّد أمن المواطنين في مختلف الأفراح والمناسبات، وما يرافق ذلك من تصرفات طائشة خاصة من الشباب ظنًّا منهم أنها تعبّر عن ابتهاج وفرح، لينتهي بهم المطاف إلى المستشفيات الّتي أضحت مكتظة بضحايا بمثل هذه الحوادث المؤلمة.ولا يخفى أن حفل الزفاف يمثِّل المدخل السعيد للحياة الزوجية، فعلى المؤمن والمؤمنة أن يتحرَّيا رضا الله تعالى بحيث يعيشان حالة الفرح والسرور والسعادة من دون أن يرتكبَا محرَّمًا والعياذ بالله. لا سيما مع ما ابتلى الكثيرون في عصرنا ومجتمعنا من سلوكيات تُخرج حفل الزفاف من الدائرة الشرعية الحلال إلى ما حرّم الله تعالى. قال سبحانه وتعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}، وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ”يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج”. ومن هذه الآيات والأحاديث الكريمة، فإن نعمة الزواج نعمةٌ عظيمة، خصّها الله عزّ وجلّ برعاية كبيرة، وحدَّد لها رسولُه الكريم سبيلًا في ذلك، وهو الالتزام بضوابط شرعية وآداب أخلاقية، لا بدّ على المُقبِلين على الزواج الالتزام بها والتقيُّد بمضمونها؛ لكي يكون هذا البناءُ بناءً صلبًا وذا رابطة متينة، تنتجُ عنها نتائج طيّبة، بتكوين أسرة مسلمة، تتكون في كنف الشّريعة الإسلامية.وفي الأخير أنصح نفسي وإخوتي المسلمين، خاصة منهم الشباب والبنات المقبلين على البناء، أن يجتنبوا هذه المنكرات، ويتحلّوْا بمكارم الأخلاق، ويعطوا للطريق حقّها وحُرمتها، وتمسّكوا بمنهاج سُنّة نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم، واقتدوا بصحابته الأبرار، واشكروا نعم الله عليكم، وقابلوها بالحمد والثناء، ولا تقابلوها بالجحود والإنكار، فقد قال سبحانه وتعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}.*كلية الدراسات الإسلامية/ قطر

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات