تشير الأرقام والإحصائيات الرسمية إلى أنّ مستويات العجز في كل من ميزان المدفوعات والميزان التجاري متواصلة على الرغم من الإجراءات الحكومية، التي من خلالها السلطات العمومية إلى تقليص فاتورة الواردات الوطنية، في التأقلم مع صدمة أسعار المحروقات التي أقلت بظلالها على المداخيل الوطنية وأدت إلى تسجيل أزمة مالية واقتصادية للبلاد، بينما لم تشفع حزمة التدابير من تقليص نسب العجز التي تبقى كبيرة.وتبعا لأرقام البنك المركزي المتعلقة بالنصف الأول من السنة الجارية، فإنّ الجزائر ستنهي عام 2018 في نفس مستويات العجز التي تحملتها الخزينة العمومية في السنة الماضية، بالرغم من الانتعاش النسبي لسعر النفط خلال الأشهر القليلة الماضية، إذ من المقرر أن تقفل الجزائر السنة الحالية بعجز في ميزان المدفوعات يفوق 22 مليار دولار، على اعتبار أنّها انهت السداسي الأول من السنة بعجز يقدر بـ 11.06 مليار دولار.وتعتبر قيمة 22 مليار دولار من العجز في ميزان المدفوعات معدلا مرتفعا يكاد يكون ذاته المسجل في السنة الماضية، حين بلغ ما يزيد عن 23 مليار دولار، وهو الأمر الذي من شأنه أن ينهك الخزينة العمومية ويدفع الحكومة، مجددا، للاغتراف من احتياطي الصرف الوطني المعرض لنزيف مستمر، والذي نزل حسب الأرقام الرسمية الأخيرة تحت عتبة 96 مليار دولار.ولم تقتصر ارتفاع نسب العجز عن ميزان المدفوعات، الذي يمثل تدفق السلع والخدمات والإيرادات وتحويلات رؤوس الأموال وكذا التدفقات المالية ما بين الجزائر وباقي بلدان العالم، من منطلق أنّ عجز الميزان التجاري بلغ أيضا خلال الأشهر الست الأولى من السنة الحالية 7.82 وهو معدل مرتفع على الرغم من تراجعه بالمقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية، ما سيؤثر على التوازنات المالية للاقتصاد الكلي للبلاد.وعلى هذا الأساس، فإنّ أرقام البنك المركزي تشير إلى أنّ احتياطات الصرف تماشيا مع التطور السلبي لميزان المدفوعات الخارجية خلال السداسي الأول من سنة 2017 فإن الاحتياطات الرسمية للصرف تراجعت بـ 7.846 مليار دولار أي من 114.138 مليار دولار نهاية ديسمبر 2016 إلى 106.292 مليار دولار نهاية شهر جوان 2017 أي أقل من عجز الرصيد الإجمالي لميزان المدفوعات "بسبب أثر التقييم الإيجابي لحوالي 3.96 مليار دولار الناتج عن ارتفاع قيمة الأورو أمام الدولار خلال هذه الفترة"، وهي المؤشرات التي تبقى مقلقة ومسببة للاختلالات بالرغم من المستوى الضعيف لإجمالي الدين الخارجي المقدر بـ 3.96 مليار دولار.وتندرج هذه المؤشرات ضمن التحذيرات التي أطلقها صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير، منبها بأنّ تداعيات خطيرة ستنعكس على الاقتصاد الوطني على المدى المتوسط، بالنظر إلى عدم قدرة الحكومة على رفع تحدي تنويع الاقتصاد الوطني والخروج من التبعية الشبه كلية لمداخيل الريع النفطي، الذي تحكمه عوامل اقتصادية وصراعات جيوسياسية متعددة، في وقت لن تتوقف تبعات الأزمة عند المستويات الاقتصادية بل ستمتد إلى الجوانب الاجتماعية لاسيما نسب البطالة المرشحة للارتفاع.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات