+ -

مرت قرابة سنة على الجريمة التي هزت مدينة دار الشيوخ بالجلفة، وبالضبط يوم 30/04/2014، وأصدرت المحكمة حكما نهائيا.بقي في المستشفى 3 أسابيع قبل أن يفارق الحياة أقوال المتهم في هذه القضية لم تضف الكثير على حيثياتها، ومعها لغز وقوعها الذي أثير إشكالا لكل من حضر أطوار المحاكمة من محامين وأصدقاء وأهالي المتهم، وحتى رجال الإعلام، فكل طرف في القضية يتمنى أن يكون غيره هو المخطئ والمذنب، وهذا بسبب تضارب تصريحات المتهم في رده على أسئلة رئيسة الجلسة والمحلفين وممثل الحق العام وحتى المحامين، وإلى شهادة الشهود الذين طالب بهم المتهم، وكذا شهود الضحية الذين جلهم أقارب المتهم والضحية، فكانت شهاداتهم متضاربة، ورغم كل ذلك جاء النطق بالحكم النهائي عن قناعة بالنسبة لهيئة المحكمة التي ترأس جلستها أقدم قاضية جنايات بالجلفة.تعود وقائع الجريمة إلى تاريخ 30 أفريل 2014 في حدود التاسعة والنصف ليلا، لما وجد الشاب “هـ. نور الدين”، البالغ من العمر 23 سنة وابن ضحية إرهاب، ملطخا بالدم، حيث تبين تعرضه لثلاث طعنات خنجر على مستوى القفص الصدري من جهة القلب. حضر رجال الحماية المدنية إلى المكان وتكفلوا بنقله إلى العيادة متعددة الخدمات الصحية بالبلدية ذاتها بعد تبليغهم من قِبل أحد المواطنين ليتم التكفل به، ليتم بعدها تبليغ مصالح الأمن التي فتحت تحقيقا في الحادثة وبدأت رحلة البحث على الجاني، ثم نقل الضحية إلى مستشفى الجلفة حيث أجريت له عملية جراحية ومكث هناك عدة أيام، ليغادر المستشفى متوجها إلى منزل والديه، لكن حالته الصحية تدهورت كثيرا ليتم نقله مرة أخرى إلى المستشفى الجامعي مصطفى باشا بالعاصمة.وبتاريخ 18/05/2014 يودع الحياة متأثرا بالطعنات التي تلقاها، ليبقى السؤال الذي حير رجال التحقيق وكل من حضر أطوار المحاكمة، رغم هذه المدة التي قضاها الضحية “هـ.نور الدين” بين المستشفيات التي نقل إليها لم يعط معلومات لا لرجال التحقيق ولا حتى لوالدته على الشخص الذي طعنه، باستثناء شقيقيه اللذين حسب تصريحاتهما أمام هيئة المحكمة وأثناء التحقيق الأمني والقضائي قالا بأن شقيقهما نور الدين قال لهما بأن الشخص الذي طعنه هو شاب طويل وملثم، وأنه يشك في أن يكون المدعو “ب. بوزيد” البالغ من العمر 33 سنة الساكن ببلدية أمجدل بولاية المسيلة. لأنه، حسب تصريحاتهما، كان المتهم والمشتبه فيه بوزيد قد تشاجرا يوم 25/04/2014، ووجه للمتهم عدة لكمات على مستوى الوجه، وأثناءها كان الجميع في حالة سكر، بمن فيهم مرافق المتهم وفتاة، وهو ما أكده المتهم أثناء رده على أسئلة رئيسة الجلسة. حتى الشهود الذين استجوبتهم رئيسة الجلسة لا يوجد أي أحد صرح بأنه شاهد المتهم وهو يطعن الضحية وسط مدينة دار الشيوخ.من جهتها، أعادت غرفة الاتهام، وبعد استلامها للملف، تكييف القضية من الضرب والجرح العمدي المفضي إلى الوفاة إلى القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد، وشرع الجميع بعدها في إجراء التحقيقات اللازمة، والتي تتطلبها المحاكمة، حيث أعد الطبيب الشرعي تقريرا جاء فيه أن جميع الطعنات التي تعرض لها الضحية ممركزة في منطقة واحدة، وهي محيط القلب وغياب علامات المقاومة والدفاع من جانب المقتول.من جانب آخر، جاء في التحقيق الاجتماعي أن المدعو “ب.بوزيد” معروف في وسطه الاجتماعي بمدينة امجدل بالمسيلة بحسن الخلق والسيرة الطيبة، وأنه كثير التنقل من ولاية لأخرى بحكم عمله، حيث يشتغل لدى مقاول في البناء، وأن كل الذين مسهم الاستجواب أكدوا أنه يتنقل دوما إلى بلدية دار الشيوخ بحكم أنه متزوج من هناك.المتهم يتمسك بالإنكار.. “لم أكن في دار الشيوخ”المتهم، وعند سماعه بتاريخ 18 ماي 2014، أنكر التهم المنسوبة إليه، مؤكدا أنه لم يكن بمدينة دار الشيوخ يوم تعرض الضحية إلى طعنات بالخنجر، وأنه كان بمدينة مقر سكناه بأمجدل بولاية المسيلة، وله شهود من أقاربه حضروا يوم المحاكمة، بمن فيهم زوجته، مصرحا أنه بتاريخ 25/04/2014 تخاصم مع الضحية الذي وجه له عدة لكمات على مستوى الوجه. وعن أسباب المشاجرة، فأرجعها المتهم إلى حالة السكر التي كان عليها، لأنه كان برفقة فتاة وشاب آخر يتناولون كؤوس من الخمر داخل السيارة، فتقدم إليه الضحية رفقة شاب آخر وبائع الخمور “فوقع ما وقع”، ومنذ ذلك اليوم لم يلتق به إلى غاية إلقاء القبض عليه.وفي رده على سؤال رئيسة المحكمة وممثل الحق العام من إنه قبل تعرض الضحية لطعنات بالخنجر على مستوى القلب هدده بالقتل انتقاما منه وكان هذا بيوم قبل الحادثة، ويقول “كنت مع فتاة وشاب على متن سيارة والضحية كان يمشي على رجليه”، ليؤكد المتهم أنه منذ يوم الخصام لم يلتق بالضحية ولم يهدده أبدا.بعد سماع الشهود الحاضرين وعددهم 16 شاهدا من بين 24 شاهدا وجهت لهم الاستدعاءات، وكلهم من أقارب الضحية والمتهم، تدخل ممثل النيابة العامة الذي أعاد سرد وقائع هذه الجريمة التي وصفها بـ”الخطيرة”، وهي ثابتة في المتهم بالقرائن رغم إنكار الأخير للتهمة، ملتمسا المؤبد في حق المتهم. دفاع المتهم المشكّل من ثلاثة محامين حاول بكل الطرق تبرئة موكلهم، حيث طرح هؤلاء جملة من الأسئلة على كل الشهود الذين كانت شهادتهم متناقضة، بمن فيهم شقيقا الضحية ووالدته التي ركز عليها أصحاب الجبة السوداء بطرح الأسئلة، حيث كانت شهادتهم متضاربة وبالأخص شقيقاه، وهو ما أثار نرفزة أحد أصحاب الجبة السوداء لكن سرعان ما عادت المياه إلى مجاريها.أما محامي الطرف المدني الأستاذ معمري، فكانت أسئلته ومرافعته هادئة، مركزا على النقاط الايجابية في مرافعته، وهو ما ارتاح له أهالي الضحية بعد النطق بالحكم. وتواصلت أطوار المحاكمة التي انتهت في ساعة متأخرة من يوم 22 مارس 2015، حيث أصدرت هيئة المحكمة حكما بالمؤبد وغرامة مالية تقدر بــ150 مليون سنتيم يدفعها المتهم إلى أهل الضحية.   دفاع الطرف المدني الأستاذ معمري“تناقضات شهادات الشهود ورطت المتهم” قال الأستاذ معمري، دفاع الطرف المدني، إن تناقض شهادة الشهود، بمن فيهم زوجة المتهم، هو ما ورط المتهم لكونها غير متطابقة، وكذا تصريحات المتهم أثناء جلسة المحكمة، الذي قال إن هاتفه لم يغلقه يوم وقوع الجريمة، لكن بعد الرجوع إلى تصفح عدد المكالمة الواردة والمستقبلة التي أمرت بها العدالة تلك الليلة اتضح أن هاتفه كان مغلقا منذ ساعة وقوع الجريمة إلى غاية منتصف نهار اليوم الموالي المصادف ليوم الجمعة. وحتى زوجته أثناء سردها لشهادتها كان ردها على سؤال رئيسة الجلسة حول إن كان زوجها ليلة الجريمة حقا يعمل في ولاية عين الدفلى، حيث قالت إن عمله هناك أنهاه منذ مدة، أما الشاهد الآخر الذي ادّعى المتهم أنه أخذ سيارته من عنده من أجل الذهاب إلى عرس شقيقته فكان جوابه بالنفي.هذه الشهادات المتناقضة، يضيف الأستاذ معمري الذي طلب أثناء المرافعة بتعويض مالي قدره 300 مليون سنتيم، هي التي أوقعت المتهم. ويؤكد محدثنا أن المحكمة تعمل في غالب الأحيان وفق مبدأ أساسه القرائن والدلائل، وإن غابت هذه تحكم بالقناعة وهو ما حدث، لأن هيئة الجنايات مكونة من خمسة أعضاء يجيبون على مجموعة من الأسئلة خلال المداولات، وفي الغالب يواجهون مسائل صعبة.شهادات متناقضة شهادة والدة الضحية التي أدلت بها مطولة، وردّت على أسئلة الدفاع وممثل الحق العام ورئيسة الجلسة، كانت مطابقة لما أدلت به أثناء التحقيق الأمني والقضائي باستثناء خطأ واحد، والمتمثل في ردها على سؤال “هل ابنك يتناول الخمر؟”، حيث نفت نفيا قاطعا، وبأن ابنها مواظب على صلاته، لكن أحد أبنائها في رده على السؤال نفسه قال بأن شقيقه “يتناول الخمر ويشرب الدخان ووالدته على علم بذلك، وفي كل مرة تنصحه بأن يبتعد عن أم الخبائث”.وفي ردها على السؤال “هل سألت ابنها (الضحية) عن الشخص الذي طعنه بالخنجر؟”، قالت: “سألته عدة مرات لكنه رفض أن يدلني على الشخص المعتدي عليه”، غير أنها أضافت أنه في 25/04/2014 قبل الحادثة أي يوم الخصام الأول كان ابنها يشتكي من بطنه.أما شقيقه الشاهد الأول قال: أن شقيقه قال له أنه يشك في المتهم هو الذي طعنه لأنه كان ملثمّا، مضيفا بأن شقيقه تعرض يوم 25/04/2014 إلى الضرب على مستوى البطن، وعندما سأله “من ضربك؟” أفاده بأنه أحد الشباب ولا يقطن بدار الشيوخ.أما شقيقه الثاني فكانت شهادته ورده على أسئلة رئيسة الجلسة متناقضة، فمرة يقول إن شقيقه “الضحية” قال له قبل وفاته بأن الذي طعنه هو المتهم باسمه ولقبه ومكان إقامته، ومرة يقول قال له إنه يشك في كون الذي ضربه هو المتهم الماثل أمام المحكمة.  والد المتهم“ابني متخلق وأقطع يدي إذا كان هو القاتل” تقدّم أمام رئيسة الجلسة والد المتهم، وهو شيخ مسن تجاوز الـ80 سنة بخطوات ثقيلة وقليل السمع، رد على أسئلة الرئيسة وهو يرتجف: “ابني متخلق ومتربي.. نقطع يدي إذا كان هو القاتل، وكل ما في الأمر مكيدة دبرت لابني”، كما حيّر الحضور بسؤال وجهه بكل عفوية “لماذا لم يقبضوا على ابني قبل وفاة الضحية رحمه اللّه الذي بقي في المستشفى يعالج ثلاثة أسابيع؟”، مضيفا “خيطوها باش يورطوا ابني.. نوكل عليهم ربي”.  

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات