+ -

 تجاوزت الحكومة السودانية المرحلة الصعبة من الانتخابات، التي كان من شأن فشلها أن يؤدي بها إلى “أزمة شرعية” على غرار حكومات ليبيا وسوريا واليمن، خاصة بعدما اعتبر الاتحاد الإفريقي أن نتائجها تعكس إرادة الشعب السوداني، وهذا بالرغم من حملة المقاطعة التي قادها 15 حزبا معارضا تحت شعار “ارحل”، ورفض الاتحاد الأوروبي تأييدها وتمويلها عكس ما فعل في انتخابات 2010، فضلا عن محاولة المتمردين في المناطق الحدودية مع دولة جنوب السودان إفشال الانتخابات بقوة السلاح.  ومع ذلك يتجه الرئيس المترشح عمر حسن البشير للفوز بعهدة ثانية تنتهي في 2020 وبنسبة كبيرة، قد تقل أو تفوق 90 بالمائة حسب نتائج أولية، بالنظر إلى عدم وجود منافسين أقوياء، رغم أن عدد المترشحين للرئاسيات بلغ 15 مترشحا، من بينهم امرأة واحدة، وكلهم مغمورون أو ينتمون لأحزاب صغيرة، ما جعل الرئاسيات السودانية تفتقد لعنصر المفاجأة والإثارة، وكان ذلك أحد أسباب زهد الناخبين في التوجه إلى صناديق الانتخابات المحسومة نتائجها مسبقا.البرلمانية شهدت منافسة أشرس وعلى خلاف الرئاسيات شهدت الانتخابات البرلمانية منافسة أشرس من الرئاسيات، بالرغم من أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم، الذي يملك إمكانيات وقدرات تنظيمية كبيرة مقارنة بأحزاب سودانية وحتى جزائرية، لم يدخل المنافسة في بعض الدوائر الانتخابية حتى يفسح المجال لأحزاب أخرى لدخول البرلمان، ما يعكس مدى ثقته بالفوز. إلا أن الحزب الحاكم خسر بعض الدوائر الانتخابية التي راهن عليها، حيث سقط بعض مرشحيه أمام منافسين من أحزاب معارضة، خاصة أن المؤتمر الوطني الذي يقوده الرئيس البشير دخل الانتخابات في مواجهة 45 حزبا، أكبرهم حزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة الميرغني زعيم الطريقة الختمية (الصوفية). ومع ذلك فقد تقدم الحزب الحاكم في أغلب الدوائر الانتخابية على بقية الأحزاب الأخرى، رغم أن هناك أحزابا عريقة لديها معاقلها التقليدية، مثل الحزب الاتحادي الديمقراطي ومعقله في منطقة بحري العاصمة الثالثة في الخرطوم، وحزب التحرير والعدالة ومعقله الرئيسي في دارفور، وحزب الأمة القومي بقيادة الصادق المهدي (مقاطع) ومعقله الرئيسي أم درمان العاصمة الثانية للخرطوم، وحزب المؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي ومعاقله الرئيسية في دارفور.الحركات المتمردة في دارفور تختار الصناديق بدل البندقية لأول مرة في تاريخ إقليم دارفور الذي شهد فترة اقتتال داخلي عنيفة أدت إلى نزوح نحو 7 ملايين نسمة إلى معسكرات للنازحين قريبة من المدن، ما بين 2003 إلى 2012، تجرى الانتخابات في كامل دوائره الانتخابية في أمن وسلام، رغم وجود بعض جيوب التمرد في أعالي سلسلة جبال مرة التي تمتد في وسط إقليم دارفور. ولعبت اتفاقية الدوحة للسلام بين الحكومة السودانية وحركات التمرد في دارفور دورا مهما في تهدئة الوضع الأمني في هذا الإقليم الفقير والمضطرب، بالرغم من أن “حركة تحرير السودان” المتمردة بجناحي ميناوي وعبد الواحد لم يوقعا على هذا الاتفاق، ولكن نشاطهما انحصر في مناطق ضيقة في إقليم دارفور الذي تقارب مساحته مساحة فرنسا. وشارك حزب التحرير والعدالة بقيادة السيسي التجاني الذي يضم نحو 19 حركة تمرد صغيرة في هذه الانتخابات، وتمكن هذا الحزب الذي وضع السلاح من الحصول على المرتبة الثانية بعد الحزب الحاكم في المراكز التي زارتها “الخبر” في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، ما يكشف أن حركات التمرد في دارفور كانت لها حاضنة شعبية. غير أن أهم ما لاحظناه هو نشاط تجاري وتعميري بارز في مدينة الفاشر مقارنة بزيارة لنا لمدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور في انتخابات 2010، وأكد لنا بعض مرافقينا خلال تجولنا في أسواق مدينة الفاشر أن النازحين الذين قدموا من قرى نائية في الإقليم أصبحوا أكثر تمدنا وانخرطوا في العمل التجاري بكثافة، كما لاحظنا انتشار أفران الطوب التي تستخدم في بناء المنازل، حتى إن صاحب مطعم تركي يدعى سليمان أخبرني أن رجل أعمال تركي فتح فرنا في الفاشر لإنتاج الطوب بالنظر إلى ازدياد الطلب عليه.انخفاض نسبة التصويت من أزيد من 60 بالمائة إلى 42 بالمائة تحدثت أكثر الإحصائيات تفاؤلا بوصول نسبة المشاركة في الانتخابات السودانية إلى نحو 42 بالمائة من إجمالي 13.8 مليون مسجل، وهي نسبة أقل بكثير من انتخابات أفريل 2010 التي شهدت منافسة شديدة، بالرغم من مقاطعة عدة أحزاب كبيرة لها، إلا أن نسبة التصويت بها فاقت 60 بالمائة، حيث وصفها معهد كارتر الأمريكي آنذاك بأنها “تنافسية للغاية”، وقد يعود ذلك إلى أن الرهانات التي كانت تمثلها انتخابات 2010 كبيرة، حيث كانت مقدمة لانفصال الجنوب في 2011، كما شارك فيها الجنوبيون بكثافة، وشكلت فرصة للسودان للخروج من عزلته الدولية وفك الحصار عليه. وفي انتخابات 2015 الحالية لاحظنا من خلال زيارتنا لعدد من مراكز الاقتراع في ولايات الخرطوم والجزيرة وشمال دارفور تباينا في الإقبال على صناديق الاقتراع، حيث شهدت الخرطوم إقبالا في المركز الذي صوّت فيه الرئيس عمر حسن البشير وكبار مسؤولي الدولة، في حين كان الإقبال جد محتشم في مركز آخر بأحد الأحياء الشعبية في مدينة الخرطوم، رغم تصريح رئيس المركز بأن الإقبال أكبر من انتخابات 2010، مرجعا قلة الناخبين ظهر ذلك اليوم إلى أن الناس تفضل التصويت مساء بعد انخفاض درجات الحرارة وبعضهم يفضل التصويت في آخر يوم من الانتخابات. أما في ولاية الجزيرة التي زرنا فيها ثلاثة مراكز انتخابية فكان الإقبال كثيفا جدا، رغم أن هذه الولاية عرفت نقصا في بطاقات الانتخابات أدى إلى توقف العملية الانتخابية في اليوم الثاني لساعة كاملة، ومع ذلك فاقت نسبة الاقتراع في المراكز التي زرناها 70 بالمائة رغم تمديدها ليومين آخرين بسبب هذا المشكل التقني. وكان ظاهرا أن هذه الولاية من المعاقل الرئيسية للحزب الحاكم، حيث لاحظنا غياب مراقبين من الأحزاب المتنافسة رغم الإقبال الملحوظ للمصوتين، وبلغ عدد المصوتين في مركز ود الماجدي بولاية الجزيرة 860 مصوت من أصل 1200 مسجل، أو ما نسبته 71 بالمائة، وذلك خلال اليوم الثاني فقط رغم تمديد التصويت ليصبح خمسة أيام بدل ثلاثة في هذه الولاية. وفي دارفور ورغم أن السيسي التجاني الذي يرأس السلطة الإقليمية لدارفور، والذي التقته “الخبر” مع عدد من الإعلاميين الدوليين في مكتبه بالخرطوم، أكد أن نسبة المشاركة في ولايات دارفور الخمس تتراوح ما بين 50 و85 بالمائة، إلا أننا عند زيارتنا لمركز انتخابي في مدينة الفاشر ومركز آخر في معسكر أبو شوك للنازحين بالفاشر أيضا وجدنا أن نسبة المشاركة في حدود 30 بالمائة. تجدر الإشارة إلى أن الانتخابات السودانية العامة امتدت من الاثنين 13 أفريل إلى غاية الخميس 16 أفريل بزيادة يوم واحد في عموم السودان، أي أربعة أيام بدل ثلاثة، وفي ولاية الجزيرة جنوبي الخرطوم امتدت خمسة أيام، وفي مناطق أخرى امتدت إلى اليوم السادس، فضلا عن انطلاق الانتخابات في المهجر الجمعة 17 أفريل وانتهت الأحد 19 أفريل.جنوب كردوفان.. صناديق تحت القصف أخطر ما ميز الانتخابات السودانية هو لجوء الحركة الشعبية قطاع الشمال، والتي تعد امتدادا للحركة الشعبية الحاكمة في دولة جنوب السودان، إلى قصف القرى والمدن التي شارك سكانها في الانتخابات بصواريخ الكاتيوشا وقذائف الهاون ومهاجمة مراكز الاقتراع ومنع الناس بالقوة من التصويت. وأدت هذه الأحداث، حسب ما نقلته جريدة الأهرام السودانية نقلا عن والي جنوب كردوفان آدم الفكي، إلى مقتل 136 شخص وجرح 150 آخرين وحرق 1560 منزل، والاعتداء على 3 مراكز انتخابية من أصل 235 مركز اقتراع، وهي أرقام خطيرة تكشف حجم العنف الذي عاناه الناخبون وسكان ولاية جنوب كردوفان من المتمردين، ما يعني أن هذه الانتخابات جرت تحت القصف، ما دفع نائب الرئيس السوداني، حسبو محمد عبد الرحمان، إلى الدعوة للنفير العام لتحرير كاودة وسردبة المعقلين الرئيسيين للمتمردين الذين تتهم الحكومة بتلقي دعم عسكري من دولة جنوب السودان وإسرائيل.      

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات