+ -

العناية بالبدن وبناء الأجسام القوية يعدّ مقصدًا من مقاصد الشّريعة الغرّاء، ولهذا نجد في السنّة اهتمام الإسلام بإعداد الإنسان المؤمن القويّ بدنيًا ونفسيًا واجتماعيًا، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ”المؤمن القويّ خيرٌ وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلّ خير...” رواه أحمد.ويُحدّثنا القرآن الكريم عن قيادة الأمم ورئاستها ويُبيّن أنّ القوّة في البدن مع العلم هي الأساس، قال تعالى عند بيان سبب اختيار طالوت للملك: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} البقرة:247، والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم جميعًا، وهم قادة البشر إلى الهداية، كانوا يتمتّعون بكمال الهيئة وقوّة الأبدان، فهذا موسى عليه السّلام لمّا أراد أن يسقي للمرأتين رفع حجرًا عن البئر لا يرفعه إلّا عشرة أنفس، وهو ما جعل المرأة تقول: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} القصص:26، وهذا سيّد المرسلين وخاتمهم نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم قد منحه الله تعالى قوّة في بدنه تجلّت في مواطن كثيرة، فقد روى البخاري أنّ جَابِرًا رضي الله عنه قال: إِنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَحْفِرُ فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ، فجاءوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ، فقال: ”أَنَا نَازِلٌ”، ثمّ قام وبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بحجر.. فأَخَذَ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الْمِعْوَلَ فَضَرَبَ فَعَادَ كَثِيبًا أَهْيَلَ أَوْ أَهْيَمَ. أي: صار رملاً لا يتماسك. وجاء في السّيرة النّبويّة لابن كثير أنّ ركانة بن عبد يزيد كان أشدّ قريش، فخلا يومًا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض شعاب مكّة فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”يا ركانة؛ ألَا تتّقى الله وتقبل ما أدعوك إليه”، قال: إنّي لو أعلم أنّ الّذى تقول حقّ لاتّبعتك. فقال له رسول الله: ”أفرأيت إن صرعتك أتعلم أن ما أقول حقّ؟” قال: نعم. قال: ”فقم حتّى أصارعك”. قال: فقام ركانة إليه فصارعه، فلمّا بطش به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أضجعه لا يملك من نفسه شيئًا. ثمّ قال: عد يا محمّد. فعاد فصرعه.فالمسلم مُطالب بأن يكون قويًا في بدنه، سليمًا في جسده، مُعافًى، غير ضعيف ولا مريض أو عاجز، حتّى يقوم بالواجبات، ويؤدّي ما عليه من حقوق، ويكون ناصرًا للحقّ، مُعينًا عليه، مُكتفيًا بنفسه، قادرًا على نفع الآخرين، مُساهمًا في المجتمع، مِعطاءً، يستطيع أن يعيد بناء الحضارة ويُمكّن للدِّين، أمّا أن يوجد المسلم كسولًا خاملًا، ضعيفًا لا يدفع الضيم، فلا شك أن لا مكان له اليوم إذا كان عاجزًا ومريضًا ومُحتاجًا إلى الغير.ومن أهم وسائل المسلم لتطوير ذاته، وتقوية جسمه للنّهوض بشعائر دينه وأداء واجباته، ممارسة الرياضة، أي تدريب البدن وتعويده على النشاط والحركة، فقد خلق الله تعالى الإنسان وأمره أن يتحرّك ويتقلّب في الأرض طلبًا للرّزق والمعاش، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} المُلْك:15، فالسّعي في الأرض لابدّ له من قوّة وجَلَد، وصبر وتحمّل، ولا يتأتّى هذا من ضعيف في إرادته وبدنه، هذا وقد أثبت الأطباء حديثًا أنّ بعض عضلات جسم الإنسان لا يكتمل نموّها إلّا بالحركة والمجهود، فإذا كان الإنسان خاملاً كسولاً لم يكتمل نموّها، وكان مآلها إلى الضّمور والاضمحلال، ويكون ناقصًا غير سويّ، ومن هنا نجد أنّ في تعاليم الإسلام اهتمامًا بالرّياضة، ففي السنّة وفي سيرة المصطفى الّتي هي ترجمان القرآن أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يُقرّهم على ممارسة أنواع كثيرة من الرياضة النّافعة لأبدانهم، ويعقد المباريات الرياضية لأبناء عمّه الغلمان؛ فكان رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يَصُفُّ عَبْدَ اللهِ وعُبَيْدَ اللهِ وكثيرًا من بني العبّاسِ ثمّ يقول: ”مَنْ سَبَقَ إِلَيَّ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا” فَيَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ فَيَقَعُونَ عَلَى ظَهْرِهِ وَصَدْرِهِ فَيُقَبِّلُهُمْ وَيَلْزَمُهُمْ. مسند أحمد.وعلى الهدْيّ النّبويّ الكريم سار الصّحابة رضوان الله عليهم في العناية بممارسة أبنائهم للرياضة النّافعة، فيروى عن الفاروق عمر رضي الله عنه أنّه كتب إلى أبي عبيدة عامر ابن الجراح رضي الله عنه: ”أن علّموا غلمانكم العوْم، ومُقاتِلتُكم الرّمي”، وهو أيضًا يوصي عماله بتعليم أولادهم السّباحة (العوْم)، فكتب إلى أمير الشّام ”... وعلّموا صبيانكم الكتابة والسّباحة”. وعلى الدّرب سار أنس رضي الله عنه وهو من تربّى في بيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فكان يشرف بنفسه على تدريبات الرّماية لأولاده، ويصوّب خطأهم.

إمام مسجد الشّهداء - بوروبة

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات