38serv

+ -

 سألني صديق مستغربا: كثر الجدل عن “تعديل الدستور” ولكنك غبت عنه؟ قلت: لا جديد يذكر، وسبق أن كتبت: “أيها الرئيس لا تعدل الدستور” (15/01/2015). وكتبت: “الدستور: الممكن والمستحيل” (“الخبر”: 1/04/2015). لهذا أفضل هذا الأسبوع أيضا أن أكتب عما أراه أكثر فائدة.واحدة من المشكلات الكبرى اليوم، مشكلة توسيع وتوسع سلطة المال ومن يستحوذون عليه، وأقول ذلك بصيغة الفعل الإرادي، وبصيغة أنه صار مسارا مستقلا له منطقه، والمشكلة تكبر عندما يكاد يكون هناك إجماع على أن الاستحواذ على المال العام لم يأت في الغالب نتيجة ذكاء رأسمالي، ولا نتيجة جهد مضنٍ طويل الأمد، والأكثر مرارة أنه لا منافع تذكر له في التنمية والنمو، لقد كان مجرد سرقة ثابتة للمال العام، مغلفة بمسحة واهية من القانونية الشكلية، ومن منطق تبريري تافه يقول “حرية المال وحرية المبادرة” هي الحل، ولكن دون حرية الإنسان ودون ديمقراطية حقيقية، فقامت بدل الديمقراطية “كليبتوقراطية” (Cliptocratie) رديئة شرهة. اليوم، لكي نقدم برهنة سريعة لا تغرق في الطرح النظري، على الرغم من ضرورته الأكيدة، يمكن أن نرى التالي: بدت “حرية السوق” مجرد سطو على المال العام، ولم تستند إلا نادرا للثروات الخاصة لأفراد، وافتقرت غالبا للذكاء الرأسمالي أو الاستثماري. الدولة ضعيفة بسلطة، بعضها جزء من لعبة المال والتجارة. الدولة بلا مؤسسات وبلا رقابة حررت السوق وقيدت الحريات والأجور لصالح أصحاب المال في الداخل والخارج. السلطة مطعون، وبشكل أقوى من كل وقت مضى، في شرعيتها، ما جعل كل استحواذ على المال العام جريمة، ولا يمكن أن يتمتع بأي شرعية مهما كانت بسيطة، وهو ما يرشحه أن يصبح مشكلة المشكلات ومهددا للأمن والاستقرار، ومنح رجال المال المسروق في الغالب دورا يتوسع يوما بعد يوم في القرار السياسي والاقتصادي، يصل حد الاحتكار الفاسد والمفسد. ولعل ما يقلق أكثر أن السلطة لا تريد نقاشا في مثل هذه القضايا، والقوى السياسية تغرق في موضوعات تلهي عن جوهر المشكلات والإشكاليات. ليس هناك نقاش في السياسات الاقتصادية، وأقل من ذلك طبعا في الاقتصاد السياسي والخيارات الاستراتيجية، وفي حرية المال وما يقابلها من حرية الإنسان، وفي التوزيع وعدالته وجدواه الاقتصادية، وفي الدولة وضرورة تقوية مؤسساتها وتقوية الرقابة السياسية والسلطات المضادة، قبل إغراق البلاد في أمراض الرأسمالية القائمة على الفساد والإفساد. أصحاب المال، لاسيما المسروق منه من خزانة الدولة الجزائرية، يقيمون اليوم “تحالفات” مع المصالح الخارجية المتعددة الأشكال. ولكنهم يعانون مجموعة مشكلات وإشكاليات: من جهة هم ضعاف برداءتهم وجهلهم، وضعاف لأنه مطعون في الغالب في قانونية وشرعية ما استحوذوا عليه، وضعاف لأنهم أحيانا، يقول البعض إنها كثيرة، تابعون لرجال سلطة مطعون بقوة في شرعيتهم السياسية وفي ذمتهم وغير ذلك، فأي منافع يمكن انتظارها من مثل هذا المال وهذه “التحالفات” وأي مخاطر؟لقد سبق أن كتبت في مقال بعنوان “الرأسمالية مشكلة وليست حلا” (“الخبر”: 18/10/2011) أقول:في عام 1988، كتب سمير أمين كتابه ما بعد الرأسمالية، ورأى في مقدمته التي راجعها في 2003 أن “للرأسمالية –مستقبلا- إلى أن تنضج قوى اجتماعية قادرة على تقديم بديل اشتراكي وكسب الجماهير الواسعة على هذا الأساس وإقامة تنظيم فعال موات للغرض. وفي الوقت نفسه لا يزال يبدو لي أن الرأسمالية عاجزة عن حل مشكلة التخلف”. وهذا الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد جوزيف ستيغليتز يكتب تحت عنوان فيه الكثير من الإيحاءات “عندما تفقد الرأسمالية صوابها”، وقلت في هذا المقال أيضا:في كل الأحوال، فإن السذاجة التي تعاملت بها بعض النخب في العالم الثالث وعندنا في الجزائر، في أن الخلاص هو في الانتقال الكلي نحو الليبرالية الاقتصادية، وأن رجال الأعمال (إن وجدوا طبعا) هم من يقود التنمية وحتى النهضة، هو اعتقاد في حاجة أكيدة للمراجعة. هذه الخرافة كلفتنا الكثير من الوقت الضائع ومن الثروة المنهوبة بلا أي فائدة تذكر”.أزمات الرأسمالية، بل وكوارثها، اتضحت أكثر على المستوى العالمي، ولكنها أمر مسكوت عنه كلية في بلادنا وفي الكثير من بلدان المنطقة. والمكاسب غير الشرعية هي مكاسب مؤقتة، ولذلك، كما تقول بعض الأخبار، يهرب الكثير من المستفيدين من الريع المنهوب أموالهم إلى فرنسا وغيرها.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات