رغم تسجيل الجزائر أكثر من 200 اكتشاف جديد للمحروقات ما بين 2003 و2014، إلا أن الكميات المكتشفة لم تساهمإلا في تعويض جزئي للاحتياطي المستهلك، نتيجة الزيادة المعتبرة للطلب المحلي، فضلا على ضرورة الإبقاء على مستوى عالٍ نوعا ما من الصادرات لضمان إيرادات كافية، خاصة أن الاقتصاد الجزائري لايزال ريعيا بامتياز ويعتمد بصورة شبه كلية على ما يدره باطن الأرض علينا.حوالي 60 في المائة من الاكتشافات قامت بها سوناطراك بجهودها الخاصة استنادا إلى تقديرات إحصائية صادرة أساسا من تقارير مجمع سوناطراك، فإن الجزائر استفادت من حوالي 225 اكتشاف جديد للمحروقات ما بين 2003 و2014، وتم تسجيل أعلى معدل في 2013 بـ32 اكتشافا، ثم في 2012 بـ31 اكتشافا، فسنة 2010 بـ29 اكتشافا، إلا أن الملاحظ أن الفترة الممتدة ما بين 2010 و2014 بالخصوص عرفت زيادة محسوسة ومعتبرة لنصيب مجمع سوناطراك في جهد الاستكشاف وبالتالي الاكتشافات الجديدة، حيث ارتفعت إلى أكثر من المعدل العام المقدر بحوالي 60 في المائة، إلى حوالي 85 إلى 90 في المائة، ما يكشف عن زيادة الأعباء على الشركة الجزائرية، في وقت بدأت الشركات الأجنبية تتردد في الاستكشاف بالجزائر وهو ما أبرزته النتائج المتواضعة للمناقصات الدولية للاستكشاف.وبينت سنة 2013 مثلا الرهانات التي تواجه سوناطراك، ففي الوقت الذي تم إحصاء 32 اكتشافا جديدا وهو أعلى مستوى سجل منذ سنوات عديدة، لوحظ أن 29 منها حققته سوناطراك بجهودها الخاصة، أي بنسبة 90.6 في المائة، مقابل ثلاثة اكتشافات فقط تمت بالشراكة مع مجموعات دولية.فضلا على ذلك، فإن سوناطراك قامت بحفر 85 بئرا من مجموع 93 بئرا، لقدرات قدرت بـ535 مليون طن مقابل النفط كمخزون مؤكد ومحتمل دون تحديد المخزون المؤكد.ويشير الخبراء إلى أن الجزائر بحاجة إلى بلوغ معدل حفر يقدر بـ100 بئر سنويا على الأقل، في محاولة لاكتشاف كميات من المحروقات تقترب من المستويات التي يتم إنتاجها، حيث يتراوح الإنتاج الجزائري ما بين 1.150 و1.180 مليون برميل يوميا، بقدرات قابلة للارتفاع إلى حدود 1.2 مليون برميل يوميا، وهذا المستوى يساهم أيضا في الإبقاء على مستوى من المخزون قار نوعا ما، بهوامش نسبية، حيث يقدر الاحتياطي المؤكد بحوالي 12 مليار برميل، لم يتغير كثيرا منذ سنوات بالنسبة للنفط، وحوالي 2200 إلى 2500 مليار متر مكعب من الغاز.وأظهرت الدراسة الخاصة لأحمد محيو وجون روبير هنري حول الجزائر، أن متوسط عمليات الحفر خلال عشريتين قدر بـ20 بئرا. ورغم زيادة معدلات الحفر، إلا أن الشركات الأجنبية لم ترفع كثيرا حصتها ولم تخاطر كثيرا وظل سلوكها يطبعه التردد في اختيار الرخص، حيث لم تبتعد عن التكتلات الكبيرة للنفط والغاز والتي تحوي احتياطيا ومخزونا مؤكدا والواقعة في المناطق الجنوبية حول حوض بركين وواد مية وإليزي، وهي المناطق التي سجلت نسبة معتبرة من الاكتشافات واستفادت من شبكة كثيفة من وسائل النقل بالأنابيب، وعرفت المنطقة أول اكتشافاتها من قبل ”أجيب” الإيطالية و”بي أش بي” و”اناداركو” الأمريكية في 1994 و”سيبسا” و”ريبسول” الإسبانيتين في 1995. تقاسم الإنتاج ساهم في الرفع من الاحتياطاتتغيرات قانون المحروقات ساهمت في تردد الشركات الدولية بعد تراجع أسعار النفط في 1986، خضعت الجزائر لضغوط متعددة دفعتها إلى إحداث تغييرات في المنظومة القانونية المؤطرة لعمليات الاستكشاف والاستغلال والإنتاج والاستثمار في قطاع المحروقات، حيث تم إقرار قانون المحروقات في 19 أوت 1986، وتم تدعيمه بتعديلات 4 ديسمبر 1991، مع إبراز مبدأ تقاسم الإنتاج، هذا المبدأ ساهم في ارتفاع مستوى الاكتشافات في مجال المحروقات وتدعيم دور الشركات الأجنبية في الحقل المنجمي، فضلا على تدعيم استقلالية سوناطراك بقانون داخلي صادر في 23 جانفي 1998.وبخلاف المرحلة الحالية، فإن دور الشركات الأجنبية كان معتبرا، حيث سجل التوقيع على 32 عقدا للبحث و6 للاستكشاف ما بين 1991 و1998 مع 22 شركة دولية، رغم أن هذه المرحلة كانت فيها الجزائر تعاني العزلة ووضعا داخليا صعبا، كما تم تسجيل 103 عملية حفر منها 61 للاستكشاف، ثم أعقبها التوقيع على 21 عقدا للاستكشاف وتسجيل 43 اكتشافا جديدا من 1994 إلى 1998، منها 15 في 1994 إلى 1995، مع الإشارة إلى أن أغلب الاكتشافات كانت بالشراكة، ففي سنة 1996 ومن مجموع 10 اكتشافات، ساهمت الشركات الدولية بالشراكة مع سوناطراك في 8 اكتشافات جديدة.وبالموازاة مع التغييرات المسجلة في الإطار القانوني، برزت مضاعفات سلبية من بينها تردد أكبر للشركات الأجنبية.فقد لاحظ الخبراء أن القوانين السارية والمؤطرة لقطاع المحروقات في سنوات 2000 ضاعفت من الأعباء على سوناطراك، خاصة المالية، كما أدت إلى تردد الشركات الدولية في الاستثمار في الاستكشاف، وأن تطبيق الرسم على الأرباح الاستثنائية بأثر رجعي أدى إلى تحفظات الشركات العاملة في الجزائر، علما أن الجزائر قسمت المجال المنجمي إلى كتل، وحينما يطلب من شركة دولية مثلا المساهمة في الاستكشاف، فإن القانون السابق، أي 86/14 الصادر في 1986، كان يمنع منح الرخصة الخاصة بالاستكشاف والبحث والاستغلال للشركة الأجنبية، بل يمنحها لسوناطراك التي تستفيد من حق الامتياز على المساحة، لأن سوناطراك هي التي تمثل الدولة الجزائرية، بعدها يتم الانتقال إلى القانون التجاري، حيث توقع سوناطراك عقد تقاسم الإنتاج، وتقوم الشركة الأجنبية بموجبه بتوفير الموارد المالية والتكنولوجيا لاكتشاف النفط والغاز، فإذا لم تكتشف الشركة أي شيء تتحمل تبعات الخسارة. أما في حالة الاكتشاف، فإنها تحصل على مقابل يتضمن كلفة الاكتشاف والأرباح نظير استثماراتها واكتشافها، على أن لا يتجاوز 49 بالمائة، بينما سوناطراك تظل مالكة لرخصة الاستغلال.أما في القانون الجديد لسنة 2005 فقد تغيرت الأوضاع، لأن سوناطراك أصبحت شركة مثل كل الشركات، وكل الشركات يحق لها الحصول على رخصة استكشاف واستغلال. كما أن الشريك الأجنبي مجبر على أن يجعل سوناطراك شريكا، وسوناطراك مجبرة على المساهمة بنسبة 51 بالمائة في تعديل القانون الذي تم في 2006، بدلا من 30 بالمائة في 2005، بينما لم تكن تساهم ماليا من قبل، وهذا ما شكّل عبئا إضافيا على الشركة الجزائرية.ويلاحظ أنه في قانون 86/14 لم يكن النفط ملكية للشركة الأجنبية إلى غاية نقله في الموانئ، بينما في القوانين الجديدة هو ملك لها مباشرة، وأضيف إلى ذلك عدد من التدابير التنظيمية التي قامت بها سوناطراك وإدخال بنود مرتبطة بالمناقصات، والتي تسمح لسوناطراك بالاستفادة من فترة زمنية يمكن أن تصل إلى 8 سنوات، قبل أن تقرر إذا ما كانت تأخذ حصتها مع الشركة الأجنبية أم لا. كما تم تعديل الترتيبات الجبائية حسب المناطق، وهو أمر لا يناسب الشركات الأجنبية، خاصة في حال استغلال الغازات الصخرية أو الحجرية مستقبلا. كما طرحت الرسوم على الأرباح الاستثنائية أيضا مشكلا، مع التأكيد على أن الرسم في حد ذاته قرار سيادي من الجزائر ولا تناقشه الشركات الأجنبية، ولكن المشكل طرح مع تطبيقه بأثر رجعي، وهو ما لا يمكن الدفاع عنه أمام أي محكمة للمنازعات، إذ أن الشركات التي تنتج منذ مدة لا تتقبل تغييرا فجائيا وبأثر رجعي لقواعد اللعبة.وساهم عدم الاستقرار في القوانين وتغيير قانون المحروقات مرتين في ظرف سنة، بعد أن كان مستقرا لمدة 20 سنة، حيث لم تتغير القوانين من 1986 إلى 2005، في عزوف الشركات الكبرى والنتائج المحتشمة للمناقصات المتتالية، وهو ما كشفت عنه المناقصات الدولية منذ 2010، والتي أبرزت تحفظا من الشركات الدولية، وبالتالي إضافة الأعباء لسوناطراك. ويفيد الخبراء بأنه حينما نستهلك برميلا واحدا نكتشف متوسط 6,0 برميل، وأنه لتجديد الاحتياطي يتعين اكتشاف 6 براميل كلما استهلكنا برميلا واحدا. ومن شأن تقلص الاستكشافات البترولية وزيادة الطلب أن يؤدي إلى تآكل المخزون بصورة متسارعة، وهو ما يحدث لأكبر الحقول الجزائرية التي بدأت تدخل مرحلة الشيخوخة.قال إن تطويرها وإنتاجها لن يكون قبل سبع سنواتسعيد بغول: اكتشافات سوناطراك لن تنقذ الجزائر من أزمتها أكد المدير الأسبق لقسم الاستكشافات بسوناطراك، سعيد بغول، أن الاكتشافات التي أعلن عنها وزير الطاقة، يوسف يوسفي، لا يمكنها أن تحل الأزمة المالية التي تتخبط فيها الجزائر حاليا، سواء على المدى القصير أو المتوسط، بعد انهيار أسعار النفط، مضيفا أن تثمين الاكتشافات ودخولها مرحلة الإنتاج لن يتم قبل سبع سنوات، في الوقت الذي انطلقت الجزائر في استنزاف احتياطاتها للصرف. وكان وزير الطاقة يستشهد، في كل مرة، بعدد الاكتشافات التي حققتها سوناطراك، والتي ستسمح، حسبه، بإعادة تشكيل الاحتياطات من البترول والغاز، برفع مستوى الإنتاج الذي يسجل انخفاضا منذ سنة 2008، لينزل إلى مليون و115 برميل يوميا، وهو أدنى من المستوى المرخص به للجزائر في إطار إنتاج أعضاء منظمة ”الأوبيب”، بما يصل حجمه إلى 2 مليون برميل يوميا.ولاتزال الحكومة تعوّل على الوعود التي أطلقها يوسفي بشأن الرفع من حجم الإنتاج، في ظل انهيار أسعار البترول، غير أن حصيلة الثلاثي الأول لهذه السنة، والتي تشير إلى انخفاض قياسي في عائدات النفط بما يتجاوز معدله 30 بالمائة، جاءت لتخلط الحسابات وتؤكد أنه لا مخرج من المأزق سوى استنزاف احتياطات الصرف الموظفة في البنوك الأمريكية وغيرها من المؤسسات المالية الأجنبية.وقال سعيد بغول، في تصريح لـ”الخبر”، إن أهمية الاكتشافات لا تقاس بعددها وإنما بحجم الاحتياطات التي يجب التأكد من توفرها على مستوى الحقول النفطية والغازية المكتشفة. وأضاف المسؤول السابق بسوناطراك أن ”تثمين أي اكتشاف يتطلب سنتين إلى ثلاث سنوات للتحقق من حجم الاحتياطات فقط”، ليتم بعدها إعداد برنامج تطويرها يمتد بين 20 إلى 30 سنة.على صعيد آخر، أوضح المدير الأسبق لقسم الاستكشاف أنه من غير المتوقع أن تكتشف سوناطراك، مرة أخرى، حقولا ذات احتياطات هامة مثل حاسي مسعود وحاسي الرمل بالنسبة للغاز، مؤكدا أن استمرار استغلال هذه الحقول بالوتيرة الحالية سيسرع في نفاد احتياطاتها. في السياق ذاته، دعا المتحدث إلى ضرورة الإسراع في تطوير الاكتشافات التي تم تحقيقها منذ أكثر من عشر سنوات لتبقى دون تطوير، خاصة تلك التي تم تحقيقها في إطار الشراكة مع الشركات البترولية الأجنبية.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات