{إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}
من أخبث طباع الإنسان “الظُّلم” حين يضع الشّيء في غير محله، أو يتجاوز الحدّ في كلّ شيء، وقد يفعل ذلك لغريزة مستحكمة أو طبيعة مستعصية، {وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً}، فماذا يُنتظر ممّن جمع الجهالة والظّلم في أبلغ الصّيغ غير الإفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنّسل؟! ولذلك جاء الدّين بوصاياه، والوحي بهُداه يكّسر سورته، ويقلّم أظافره، ويجعل الإنسان خلقًا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين، وقد أشار شاعر الحكمة المتنبي إلى هذا المعنى:والظّلم من شيم النّفوس فإن تجد ذا عِفةٍ فلعلّةٍ لا يظلموهذه العلّة الّتي تكبح جماحه، وتحدّ ثورته وصياحه منها ما هو ذاتي ومنها ما هو خارجي، فقد ذكر العلامة الماوردي أنّ العلّة المانعة قد تكون: 1- عقلاً يزجره، 2- أو دينًا يحجزه، 3- أو سلطانًا يردعه، 4- أو عجزًا يصدّه، ومن الواجب تقوية هذه الموانع في النفس والمجتمع، بنشر المعرفة والعلم غذاء للعقل، ورفع نسبة الوازع الدّيني بالتّعليم الحقّ غذاء للقلب، وإقامة العدل شرعة في كلّ ديوان، وركنًا لكلّ سلطان أو العمل على وضع الحواجز الّتي تصدّ الفاعل فيعجز ويستسلم، لأنّ المناعة الذّاتية في الأمّة صحيّة، وقد يزيدها الصّيام قوّة وفُتوَة، وهنالك يُبلس الظالمون..وقد بحث علماؤنا أنواع الظّلم استنادًا إلى مدرسة النّبوة وهدايات الوحي، فإذا هو دواوين ثلاثة: ظلم لا يغتفر، وهو الشّرك، وظلم لا يعبأ الله به وهي المعاصي الّتي ينتهك فيها حقّ المولى سبحانه، فهذا هيّن بالنّظر إلى ما سبق، وما سيأتي وهو ظلم العباد، وهذا لا يترك منه شيئًا حتّى ينال المظلوم حقّه ويقتصّ من الظّالم {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} ويكفي المرء مسخًا في الدّنيا قبل الآخرة أنّه بظلمة يجني على نفسه ويطرد إيمانه، وتفرّ منه كلّ فضيلة، وتسكنه كلّ رذيلة، لذلك قال أبو بكر الورّاق: “أكثر ما ينزع الإيمان من القلب ظلم العباد”، ويستوي في ذلك ظلم الأفراد وظلم الأمم، وهذا أكبر لأنّ غياب العدل في الشعوب والأمم إيذان بخراب العالم، ولكن إيمان المظلوم بربّه ونصرته لقضيته يقرب أجل الظالمين، ولعلّ في شعوب العالم من يكره الظلم، ويدافع عن المظلوم يسلي أهل الحقّ، ويغيظ المبطلين.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات