“حروب الأحياء الجديدة” ترعب الجزائريين

+ -

قال البروفيسور رشيد بلحاج، رئيس مصلحة الطب الشرعي لمستشفى مصطفى باشا الجامعي، في حديث مع “الخبر”، إن العنف أصبح يصنع يوميات الجزائري، مؤكدا أن مصلحته تستقبل يوميا ما بين 25 إلى 35 شخصامن ضحايا مختلف أنواع العنف، من بينهم نساء تعرضن لعنف أزواجهن أو أبنائهن، إلى جانبتلاميذ ضحايا العنف في المحيط المدرسي، وكذا ضحايا ما يعرف بـ”حروب الأحياء”.أشار البروفيسور بلحاج إلى أن أقوى مظاهر العنف التي وقف عليها من خلال المعاينة اليومية في المصلحة، تتجسد فيما يطلق عليه “حرب الأحياء” التي استشرت وسط مجتمعنا خاصة أصحاب الأحياء السكنية الجديدة، مضيفا أن بيع المخدرات و”باركينغ” الأحياء من الأسباب المباشرة للعنف الذي تصلهم حالاته يوميا، حيث يكفي أن يتشاجر اثنان على مكان ركن السيارة، ليجدا أمامهما جحافل من المقاتلين مدجّجين بسيوف، تخالهم في معركة من معارك العصور الماضية.يحدث هذا في الوقت الذي لم يعد هناك أي نوع من التضامن في مثل هذه الحالات، فالكل يودّ تجنّب المشاكل قدر المستطاع، لدرجة أن الكبير الذي كانت تسمع كلمته في الحي ويحسب له ألف حساب بات لا ينبس بأي كلمة في مثل تلك المواقف، وشعار الجميع “تخطي راسي”.السيوف عوّضت الخناجرمن الأمور التي باتت تمثل الخطر بعينه تغير أدوات العنف، ففي الوقت الذي كانت شفرة الحلاقة أو الخنجر “البوسعادي” الأكثر استعمالا في وقت مضى، باتت السيوف سلاح حروب الشوارع اليوم، ويحرص بعض الشباب على اقتنائها والتباهي بها واللجوء لها وقت الشجارات. وعن هذه الوسائل، أكد لنا البروفيسور بلحاج أن غالبية حوادث الشجارات التي راح ضحيتها شباب تستقبلهم في كل مرة مصلحة الطب الشرعي لمستشفى مصطفى باشا الجامعي، كانت السيوف هي سيدة الموقف فيها، مضيفا أن مستعمل السيف يريد تمرير رسالة من وراء ذلك مفادها “أني الأقوى والأعنف”.وأضاف محدثنا، في السياق، أن هناك سلّما للعنف يؤمن به مستعملوه اليوم، فمن يستعمل الخنجر أو موس الحلاقة، لا يعتبر مواكبا لمظاهر العنف الحالية ويصنّف بأنه “إنسان قديم” ينتمي للعصور البائدة، بينما يوصف من يستعمل السيف بالقوي.المجتمع المدني غائبرغم تفشي مختلف أنواع العنف التي ذكرناها سابقا، يبقى المجتمع المدني غائبا عن الساحة، فلا الجار يساند جاره ولا أهل الحي يبادرون بأمور من شأنها أن تخفف من وطأة مخلفات هذا العنف، وهو ما يفسح المجال للجناة وأصدقائهم لاعتبار ما يقومون به حقا من حقوقهم المدنية.وعن هذه المسألة، أوضح لنا أحد القضاة رفض ذكر اسمه، أن “ما يقفون عليه في المحاكم أثناء تقديم شباب مسؤول عن مختلف أنواع العنف يندى له الجبين”، فالشاهد الذي حضر الواقعة يتعمد التغيب عن المحاكمة “وإن حضر يشهد زورا”، يقول محدثنا. كما يشهد يوم المحاكمة حضور عدد هائل من أبناء الحي الذين هم بطبيعة الحال أصدقاء الشاب الذي ارتكب جريمة القتل متعمّدا، جاؤوا لمساندته والتعبير عن مساندتهم للعنف علنا وكأن التشجيع على الجريمة بات هو الأصحّ.كل هذه الظواهر جعلت العنف يغرز أنيابه في جسد مجتمع مريض حتى بات أصحاب الحق يتعمّدون التنازل عن حقوقهم. وعن هذه المسألة، أكد لنا البروفيسور رشيد بلحاج أنه وقف على حوادث قتل راح ضحيتها شباب أعزل. وفي خضم سعي العائلة للأخذ بحق ابنها، يتولى من تسبب في القتل تهديدهم بطلب سحب الدعوى أو مساومتهم عليها مقابل مبلغ مالي.وأشار محدثنا إلى أن حالات كثيرة مرت معه تنازلت فيها العائلات عن حقها خوفا على أبنائها الآخرين، خاصة أن الجاني سيستفيد من قانون العفو الذي بات أحد العوامل المشجعة على الجريمة، كونه متأكدا بأنها فترة وتمر، يقيم خلالها بسجن أربع نجوم، يرجع بعدها لحيّه أكثر قوة ليهدد ويتوعّد ويأخذ بثأره ممن زجّ به في السجن.وطالب البروفيسور بلحاج بالصرامة في تطبيق القانون وعدم إطلاق سراح مجرمين سوف يعاودون الكرّة، كما طالب بضرورة مساعدة المواطنين للعدالة بعدم التراجع عن شكواهم مع الإدلاء بشهادة الحق، حتى “نمنع ظاهرة العنف من التفشي أكثر”، خاصة أن الكل معني بها ومعرّض لها في عقر داره. فالقاضي بات يتعرض للسب في المحكمة والشرطي في الحاجز الأمني والسبب من وراء ذلك انفلات أمني بحت، يضيف محدثنا قائلا، ليؤكد على ضرورة تكاثف الجهود من أجل وقف سرطان العنف.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات