+ -

استهلكت مؤسسات الدولة الرسمية، خلال سنة واحدة، 978 إطار وموظف سام بين عزل وتعيين بمراسيم رئاسية فردية وقعها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة. وتؤثر حتما عملية “الذهاب والإياب” للإطارات على استقرار قطاعات كثيرة، بحكم أن تغيّر المسؤول الأول عن قطاع معيّن في فترات وجيزة يُسهم سلبا في مردود المؤسسة في كل المجالات. لا تظهر وثيقة بحوزة “الخبر” طبيعة العزل والتعيين في المناصب ولا الأسباب، ولكنها تبين حجم الاستنزاف الكبير لإطارات الدولة في أقل من سنة (2017)، خصوصا أن هذا العام لم يشهد تعيينات كبيرة في هيئات أو مؤسسات مستحدثة، ولا تغييرا حكوميا واسعا، باعتبار أن أعضاء الحكومة محسوبون على “أصحاب الوظائف العليا” في الدولة، ماعدا وزراء يعدون على الأصابع ذهبوا وجاؤوا مع حكومة تبون ثم لاحقا في حكومة أويحيى.

هذا الاستنزاف “الكبير” في إطارات الدولة وموظفيها السامين دفع أحزابا سياسية في عدة مرات إلى المطالبة بتوفير الحماية، عبر إعادة الاعتبار إلى كل الكفاءات والقدرات التي تم تهميشها أو تم احتقارها، من خلال عدم التخلي عن هذه الثروة البشرية الهائلة، على اعتبار أن الواجب يفرض احترام وتقدير الإطارات.كما تعيد عملية “العزل والتعيين” التي مست ما يقارب 1000 إطار سام، أي بمعدل إنهاء مهام وتعيين جديد، مع الأخذ بعين الاعتبار حالات الوفاة، 3 إطارات في اليوم، إلى الواجهة القانون الذي يرفع التجريم من قانون العقوبات عن فعل التسيير، والذي يشمل تجريم والمعاقبة على الإهمال الواضح الذي يتسبب فيه الموظف العمومي في سرقة أو اختلاس أو تلف أو ضياع أموال عمومية أو خاصة، أو أشياء تقوم مقامها، أو وثائق أو سندات أو عقود أو أموال منقولة وضعت تحت تصرف يده سواء بمقتضى وظيفته أو بسببها، فقد يكون هذا الاستنزاف سببه فعل التسيير.ورغم هذا “اللااستقرار” في مناصب المسؤولية السامية، إلا أن الحكومة حاولت من خلال الإجراءات المتخذة في قانون رفع الجرم عن التسيير ضمان التوازن بين المحافظة على المال العام والمصالح الاقتصادية للحكومة من جهة، وحماية المسيّر من خلال إمكانية اتخاذه مبادرات في محيط قضائي آمن ومحيط اقتصادي يتميز بالشفافية في التسيير والمنافسة الشرعية من جهة أخرى. لكن الظاهر أن هذه التدابير لا تؤخذ بعين الاعتبار، بدليل الرقم الكبير في عزل وتعيين الإطارات السامية.ويمكن أن تندرج في حركة العزل والتعيين هذه الاستقالات من المناصب خشية تحمل المسؤوليات رغم قوة القانون الذي يوفر الحماية، فقد سبق للمحامي الشهير ميلود ابراهيمي أن انسحب من اللجنة التي نصبتها وزارة العدل لتحضير مشروع رفع التجريم عن فعل التسيير، المعاقب عليه وفقا لترتيبات قانون مكافحة الفساد، ومنه المادتان 26 و29 اللتان تسببتا في جدل كبير وجمود على مستوى العديد من المؤسسات والهيئات العمومية التي صار مسيروها يرفضون تحمل مسؤوليات توقيع العقود التجارية والصفقات خوفا من الوقوع تحت طائلة المادتين.وبرر ابراهيمي، آنذاك، قراره الانسحاب من اللجنة بأنّه لا يعتقد بوجود تفكير جدي في توفير شروط المخاطرة للمسيّر العمومي، لأن التجارة والتسيير، حسبه، يعتمدان على المخاطرة والسرعة في اتخاذ القرار، مشيرا إلى أن ما أضحى ينشر الخوف هو سوء التسيير القضائي لقضايا التسيير الاقتصادي التي تطرح أمام العدالة، خاصة أنه تأكد، وفقا له، أن كل التعديلات التي كان من المفروض أن تحمي المال العام حطمت المؤسسات الاقتصادية التي كانت مفخرة الجزائر، في نظر متابعين، ودفعت بخيرة الإطارات الجزائرية للهجرة إلى الخارج.كما تشمل حركة العزل والتعيين، التي تصدر في شكل مراسيم رئاسية فردية وتنشر في الجريدة الرسمية، إحالة الموظفين وإطارات الدولة على التقاعد ممن فاقوا سن الـ60 عاما، خصوصا أن الحكومة في عهد الوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال منعت، عبر قرار، تعيين المحالين على التقاعد في المناصب العليا، بحكم أنها “حيلة” يحمي بها مسؤولون نافذون معارفهم. وألغت الحكومة أيضا قاعدة 40 بالمائة التي تستند عليها مصالح الوظيفة العمومية في عمليات التعيين، من خلال سدّ ثغرة في قانون التوظيف يستغلها آلاف الموظفين المحالين على التقاعد لضمان مناصب في قطاعات وزارية أخرى.في المقابل، تكشف وثيقة أخرى عن صدور خلال السنة الماضية (2017) 11 قانونا و21 اتفاقية واتفاقا دوليا تم التصديق عليها بمراسيم رئاسية، إلى جانب 370 نص تنظيمي بين 122 مرسوم رئاسي و248 مرسوم تنفيذي و152 قرار وزاري مشترك و439 قرار وزاري، فضلا عن 53 بين مقررات وإعلانات وآراء ونظم، بإجمالي 2024 نص.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات