انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة ستكون ساخنة

+ -

اعتبر مدير مركز الدراسات الأمريكية والعربية في واشنطن الدكتور منذر سليمان أن المصالحة التي قام بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع الرئيس الكوبي راوول كاسترو تحسب على أن أوباما هو من غيّر مسار العلاقات الأمريكية الكوبية، ليكون التحول من القطيعة والعذاب إلى التطبيع وتبادل المنافع. وأضاف في حوار لـ«الخبر”، بشأن ترشح هيلاري كلينتون للرئاسيات المقبلة، أنه يجب الاعتراف أن هناك مكونات وتجربة تجعل منها في وضع جيد لتمثيل المرأة بشكل لم يسبق أن قدمته إحدى النساء في الولايات المتحدة، وأن لها من المحطات ما يجعلها مرشحة قوية، لكن لا شيء مضمون. هل تعتقد أن الإدارة الأمريكية الحالية من خلال الخطوات التي تقوم بها، سواء في الملف الإيراني أو المصالحة مع كوبا أو التهدئة مع فنزويلا، تمهد الطريق لدعم موقع الحزب في الانتخابات المقبلة؟ هي خطوات تتعلق بالدرجة الأولى بالإرث والتركة السياسية والتاريخية للرئيس الأمريكي أوباما أكثر، فهي خدمة للحزب الديمقراطي، وقد تؤدي إلى خدمته في الوقت نفسه، إذ إن أي إنجاز سياسي خارجي مقبول شعبيا في أمريكا هي مكاسب ايجابية للحزب، وهي قضايا خلافية مع الحزب الجمهوري. هناك شبه إجماع بالنسبة للأغلبية على المستوى الشعبي يؤيدون انفتاح الإدارة الأمريكية على كوبا، لأنهم يعتقدون أنها سياسة لطالما كانت فاشلة، وأن التأثير سيكون أفضل من خلال الانفتاح والمصالحة، رغم الانتقادات التي شهدها القرار من قِبل الجمهوريين في أمريكا والمعارضة الكوبية المتواجدة في الولايات المتحدة الأمريكية.أما فيما يتعلق بالملف الإيراني، فالسجال مازال قائما، ويتوقف على صياغة الاتفاق النهائي، فالإدارة الأمريكية مستمرة على ضرورة عمل الكونغرس على المصادقة النهائية على الاتفاق، إلا أن الحزب الجمهوري هو المسيطر على الكونغرس، وبذلك هناك صعوبة تواجه أوباما رغم أنه يعتقد أنه من الممكن التوصل إلى التفاهم والتوافق الفوري، بشكل يبرز السياسة الخارجية لأوباما، وهو الذي حصد جائزة “نوبل” للسلام في مستهل عهدته على النوايا وليس على الأفعال، إذ إنه يعتقد أن مسألة منع انتشار السلاح والحيلولة دون تحقيق إيران لرغبتها، وهي التي تريد امتلاك السلاح النووي، وأن مجرد إغلاق الطريق على إيران وعدم امتلاكها للقنبلة النووية، يشكل إسهاما في السلم في العالم.بينما هناك علاقات اقتصادية وتجارية قائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وفنزويلا، بغضّ النظر عن الخلافات السياسية، والإدارة الأمريكية تعلم أن التهدئة لن تسير بخطوات واثقة حتى نهاية عهدة أوباما، في ظل الكثير من الأحداث والاتهامات المتبادلة، فمصلحة الدولتين تكمن في المستوى الاقتصادي وتصدير النفط، وهو ما حال دون تقدم الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وفنزويلا بالشكل المطلوب، لتمضي العلاقات ما بينهما على نار خفيفة، وذلك للتوجس الفنزويلي من النوايا الأمريكية، وعدم وجود مسار للمفاوضات للتطبيع بشكل جيد. كيف تقرأ الخطوة التي قام بها أوباما اتجاه كوبا وما هي خلفياتها؟ الرئيس الأمريكي له رغبة في تحقيق إنجاز عن طريق السياسة الخارجية، فسياسته فاشلة، وكوبا متواجدة على بعد 90 ميلا عن الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت كوبا تعيش على المساعدات الخارجية في زمن الاتحاد السوفياتي، فأمريكا حاولت بشتى ومختلف الطرق اغتيال الرئيس الكوبي السابق فيدال كاسترو، وتحريك الوضع الداخلي، وكان هناك انعكاس سلبي على كل دول أمريكا اللاتينية، وظلم يمارس دون حق من خلال الحصار والمقاطعة، إلا أن النظام لم يتغير مع مر العقود، وأدركت الولايات المتحدة أنه لابد من انتهاج وسيلة أخرى للتعامل مع كوبا، وهي الانفتاح، حتى تستطيع التأثير أكثر في الداخل، من خلال تبادل الزيارات، والانفتاح على العديد من الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.وعدا أنه من المفترض أن كل شعب من حقه تقرير مصيره بنفسه، شعر أوباما أن هذا الأمر نضج إلى درجة أنه ورغم رفض متشددين ومتطرفين كوبيين وكذا الجمهوريين للأمر، إلا أنه وجد الفرصة سانحة للإقدام على هذه الخطوة، والمتمثلة في المصالحة مع كوبا، وهو ما يحسب له بأن أوباما هو من غيّر مسار العلاقات الأمريكية- الكوبية، ليكون التحول من القطيعة والعذاب إلى التطبيع وتبادل المنافع.هناك مؤشرات تفيد بأن هيلاري كلينتون ستكون مرشحة الحزب الديموقراطي للرئاسيات، هل هناك توافق بين الإدارة الحالية والمترشحة؟ أعلنت هيلاري كلينتون ترشحها رسميا للانتخابات الرئاسية المقبلة، ورغم أن أي مرشح آخر عن الحزب الديمقراطي سيتحمل مسؤولية الدفاع عن العهدة الديمقراطية الحالية، لكن أيضا هناك تمايز بين الشخصيات، ومحاولة تقديم المرشح لنفسه بطريقة مستقلة وبأنه ليس امتدادا لباراك أوباما.هيلاري كانت وزيرة خارجية الإدارة الأمريكية، وبالتالي عليها تقديم سجل بما يمكن أن يحمله من إخفاقات أو إنجازات بالنسبة لها، فهي تتحمل وزر الدفاع عن عملها وسجلها، بما أنها كانت جزءا من سياسة العهدة الأولى لأوباما في الإدارة الأمريكية، وهناك تداخل ما بين الإدارة الحالية وترشح هيلاري للرئاسيات، ولا يمكن الفصل بينهما فصلا تعسفيا، كونها كانت جزءا من الإدارة الأمريكية رغم تركها لها بعد العهدة الأولى.في الوقت نفسه هيلاري تحتاج إلى أن يساهم أوباما في حملتها الانتخابية بأشكال متعددة دون أن يظهر وكأن الأمر عهدة ثالثة له. هيلاري تحتاج إلى إبراز التميز السياسي للمرأة، والتي في حال نجاحها ستكون أول امرأة تصل البيت الأبيض في الولايات المتحدة، كما أنها ترغب في أن لا تظهر أنها أتت عن زوجها الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، أو الرئيس الحالي أوباما، وأنها تختار طريقا مستقلا.ستكون هناك توافقات في الحديث عن سياسة الإدارة الأمريكية، لكن هيلاري ستكون لها الفرصة لكي تعبر عن بعض المواقف التي لم تكن تؤيدها خلال تواجدها في الخارجية في العهدة الأولى لأوباما، كما ستكون هناك مساحة من التباين في عرض وجهة نظرها حول بعض الملفات، لكن لن يؤثر ذلك سلبا على أوباما، الذي يحرص على أن يكون لهيلاري كلينتون تقديم نفسها بطريقة مستقلة، وفي الوقت نفسه وجب أن يكون لديها من الحكمة والنباهة حتى لا تؤثر على السياسة الخارجية لأوباما في ما تبقى له من العهدة الثانية.الحملة الانتخابية للرئاسيات المقبلة انطلقت في الواقع، وستكون هناك فترة لا يجب أن تحصل فيها ارتباكات داخل الحزب الديمقراطي. صحيح سيكون هناك بعض الحساسيات، لكن حرص هيلاري أن يكون هناك بعض التكامل، إلى جانب حريتها كمرشحة في التعبير حيال بعض السياسات العرضة للجدل، قد يضمن لها تأييدا أوسع.نشرت هيلاري كلينتون تغريدة على حسابها في “تويتر” تقول فيها “الشعب الأمريكي اليوم بحاجة إلى بطل، وأنا هو ذلك البطل”. ما تعليقك على ذلك؟ إن كانت التغريدة صحيحة، خاصة أنه يمكن توقع أي شيء وأية اختراقات لمواقع التواصل الاجتماعي في وقتنا الحالي، فمن حقها أن تقدم نفسها بأفضل صورة، لكن المغالاة بإمكانها أن تلعب دورا سلبيا، فعلى الشخص أن لا يمدح نفسه ويترك الآخرين يمتدحونه، والأمثال الشعبية عن هذا الأمر في وطننا العربي كثيرة.أعتقد أن هيلاري ستتبوأ مهمة صعبة وتاريخية، وأنها ستحقق إنجازا متميزا يدخل التاريخ، يمكن القول بأنها بطلة لأنها تمثل النساء، والمرأة الأولى في الولايات المتحدة التي تشكّل نوعا من المراهنة الجدية على الرئاسة، ولم يسبق أن وصلت أي امرأة في أمريكا سابقا إلى هذا المنصب، أو يمكن أن تكون بطلة للحركة النسائية وطموحاتها في الولايات المتحدة وفي العالم.ويجب الاعتراف في هذا المجال أن هناك مكونات وتجربة تجعل منها في وضع جيد لتمثيل المرأة بشكل لم يسبق أن قدمته إحدى النساء في الولايات المتحدة، كون هيلاري كانت محامية جيدة وناجحة، والسيدة الأولى في أمريكا، ووزيرة خارجية الإدارة الأمريكية وعضو في مجلس الشيوخ، وعلى وشك دخول غمار الرئاسيات لثاني مرة، كون المرة الأولى سبقها أوباما بعد معركة شرسة بين الاثنين، ولها من المحطات ما يجعلها مرشحة قوية تمتلك قدرات كثيرة تساعدها في حملتها للوصول إلى البيت الأبيض، لكن لا شيء مضمون، لكن ذلك يعزز من حظوظها.ما هي أهم محددات المشهد السياسي الأمريكي في الانتخابات المقبلة، بينما حصيلة أوباما كانت متواضعة على المستوى الداخلي، علما أن هذا العامل له تأثير كبير في تحديد توجهات الناخب الأمريكي؟ بالفعل في كل انتخابات أمريكية يطرح السؤال حول ما هو العنصر الأهم: هل هي السياسة الداخلية أم الخارجية؟ وهناك شبه إجماع أن الوضع الداخلي يشكل العامل الحاسم، إلا أن الشأن الخارجي ينافس الداخلي، وما نشهده اليوم من عدم انخراط مباشر للولايات المتحدة في النزاعات الدولية، إذ لا زالت إدارة أوباما تتدخل بشكل محدود إلا أن آثارها واضحة، ومن المرجح أنه لن يكون هناك انخراط في حرب برية وأن تتورط باستخدام القوات الخاصة، لذا سيكون الشأن الداخلي ربما هو العنصر الحاسم عند توجه الناخب الأمريكي لاختيار رئيسه. سيرى وضعه الاقتصادي والاجتماعي ويقرر، من رعاية صحية وبطالة والحالة المعيشية وسلامة الضمانات الاجتماعية وصندوق الضمان والضرائب، كلها ستكون مواضيع جدال سياسي داخلي.وفي هذه الانتخابات لن يكون الحزب الجمهوري في وضع مريح. عادة هو الأكثر قوة في السياسة الخارجية، ويقدم شخصية تعتبر قوة الولايات المتحدة، لكن هيلاري كلينتون وزير الخارجية سابقا ستخلق السجال الانتخابي، وستكون في وضع مريح أكثر مقارنة بأوباما الذي لم تكن له خبرة في هذا المجال، وكذا العديد من الرؤساء الأمريكيين السابقين، ومنهم جورج بوش الابن. وهيلاري لها قدرة الحديث في الشأن الداخلي والخارجي وستخوض معركة قوية.ومع ذلك فإن الحزب الجمهوري سيحاول محاصرتها بالهجوم عليها في بعض القضايا، منها استخدامها لبريدها الالكتروني الشخصي في عملها، وهو ما سيبقى عرضة للنقاش، إلى جانب اغتيال السفير الأمريكي في بنغازي الليبية أيام كانت وزيرة الخارجية، وبالتالي هل ستتحمل مسؤولية رغم أنها لم تكن مسؤولة عما حدث، وهناك مجال لجرها نحو التحقيقات في الكونغرس، وقد يتم إحراجها بوضعها في قفص الاتهام.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات