الدعوة لإعادة ترتيب سور القرآن محاولة استشراقية

+ -

دعا رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الدكتور عبد الرزّاق قسوم، في حوار لـ ”الخبر”، مسؤولي الدولة الجزائرية إلى ”احترام ثوابت ومقدّسات الوطن في شقّها الدّيني والاجتماعي والثقافي والأخلاقي”، معتبرًا دعوة وزير التجارة الأسبق ”محاولة استشراقية لها خلفية إيديولوجية”، كما تساءل عن سبب تسليم القطعة الأرضية لبناء مقرّ الجديد لوزارة الشؤون الدّينية، بعدما وافقت مديرية أملاك الدولة على تسليمها لجمعية العلماء.منحتكم الدولة قطعة أرض لبناء مقركم الوطني، هل أنجز المشروع؟ الدولة لم تمنحنا قطعة أرض، وإنّما اقترحت علينا مصالح أملاك الدولة قطعة أرض في ناحية براقي، إن أعجبتنا فستمنحها لنا، وعندما زرتها وبعض أعضاء الجمعية وافقنا عليها وأعطونا الضوء الأخضر.وبمجرد أخذنا الموافقة المبدئية، اتّصلنا بالأستاذ بن حموش، وهو مهندس جزائري كان يعمل في جامعة البحرين وعاد إلى أرض الوطن، فطلبنا منه وضع تصميم لمجمع علمي يشمل مقرا للجمعية بجميع مصالحها وأجهزتها، ومكاتب لصحيفة البصائر الأسبوعية، ومكاتب لمجلة الشباب المسلم الشهرية بالفرنسية، ومكاتب أخرى لمجلات متخصصة، إلى جانب مطبعة ومصلّى ومعهد عال متخصّص، وإقامة للضيوف وقاعة للمحاضرات والمؤتمرات، وتبلغ مساحتها حوالي 11 ألف متر مربع.وبعد انتهائنا من تصميم المشروع وشروعنا في توعية المحسنين للتكفّل ببنائه، فوجئنا بمصالح أملاك الدولة تعلمنا بأنها قد تحتاج إلى هذا المكان، فاتصلنا بالمدير العام لأملاك الدولة وعقدنا معه عدّة لقاءات، وفي النهاية وصلنا إلى نتيجة هي أن الأملاك تحتاج إلى جزء بسيط من هذه القطعة في حدود 1500 متر لمصالحها الجبائية، على أن تترك لنا بقيّة المساحة مع طلب واحد هو أن تحصل أملاك الدولة على موافقة الوزارة الأولى.بدأنا الاتصالات بالوزارة الأولى وطلبنا منها إعطاء الموافقة لنتمكن من الانطلاق في العمل، ثمّ علمنا من مصادر خاصة أن طلبنا وُجِّه إلى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف بهذا الخصوص، وفهمنا من هذا الطلب أنهّ طلب لمنح جمعية العلماء هذه القطعة. لكن طال انتظارنا، وفي أثناء ذلك فوجئنا بالسيد وزير الشؤون الدينية والأوقاف يعلن أن جمعية العلماء ستحصل على مقر لائق بها تبنيه وزارة الشؤون الدينية وتقتطعه من بناية لها في نفس المكان.ولماذا وزارة الشؤون الدينية والأوقاف وليس وزارة الداخلية؟ نحن نتساءل ماذا ستبني وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في هذا المكان؟ وكيف دخلت الوزارة إلى هذا المكان الّذي كان مخطّطا فقط لجمعية العلماء؟ وماذا نفعل نحن بتصميمنا للمجمّع العلمي الّذي أعددناه مسبقًا؟ ومَن يتحمّل مسؤولية هذا التّحويل من جمعية العلماء إلى وزارة الشّؤون الدّينية؟ هذه هي الأسئلة الّتي نطرحها في جمعية العلماء الآن، ونأمل أن نجد لها إجابات منطقية ومقنعة.هل ناديتُم بمسيرة يوم الجمعة احتجاجًا على تحرير بيع الخمور؟ وهل ما زلتم متمسكين بها رغم إلغاء الوزير الأوّل قرار وزير التجارة؟ أولاً نحن لم ندع إلى مسيرة، فقد كنّا بصدد الإعداد لبيان مفصّل بموقفنا من هذه القضية الخطيرة جدًّا، حتّى فوجئنا مفاجئة سارة وهي تعليق أو تجميد قانون تحرير الخمور من الوزير الأوّل، فحمدنا الله أن حكومتنا انتبهت في الوقت المناسب لعواقب هذا القانون الخطير، واستبقت الأحداث وفوّتت الفرصة على ما قد يجرُّه من عواقب وخيمة، وليس العيب في أن نخطئ ولكن العيب كلّ العيب أن نتمادى في الخطأ، كما نأمل في جمعية العلماء أن يتّعظ مسؤولونا مستقلاً فيحسبوا ألف حساب لثوابت ومقدّسات الوطن.ألاَ تعتقد أنّ الدّوس على ثوابت الأمّة أضحى ممنهجًا؟ لذلك قلتُ إن على دولتنا وعلى مسؤولينا بالخصوص أن ينتبهوا إلى ثوابت ومقدّسات الوطن في شقّها الدّيني والاجتماعي والثقافي والأخلاقي. وأيًّا كانت الضغوط الّتي قد تُمارس على نظامنا، فإنّ على الجميع أن يتسلّح بالوعي الوطني وأن يقدّم سيادة الدولة وسيادة الشعب على كلّ أنواع الضغوط، وقديمًا قيل ”تجوع الحُرّة ولا ترضع بثدييها”، فبالأمس كان قانون العقوبات الّذي تشتمّ فيه رائحة مؤتمر بكين والقاهرة وما إلى ذلك، وبعده جاء قانون تحرير الخمور، وأيضًا ما يشاع من موافقة الجزائر على قوانين تبيح الشذوذ الجنسي والزّواج المثلي، وقبل هذا وبعده تهميش اللّغة العربية في بيئتها ومحيطها ومحلاّتها ومؤسساتها، وهذا كلّه مساس بثوابت الوطن بمبادئ الشّهداء وعهد العلماء، خصوصًا ونحن في أيّام العلم والعلماء.كيف تنظرون لدعوة نور الدين بوكروح إلى إعادة ترتيب سور القرآن الكريم؟ نحن نعتقد بهذا الخصوص أنّ لكلّ مسلم مثقف الحقّ في الاجتهاد وخوض معركة البحث العلمي الموضوعي القائم على الحجج والأدلة، ولا يضيق الإسلام أبدًا بدعوة الأستاذ نور الدّين بوكروح في مطالبته إعادة ترتيب سور القرآن، لكن ما نطلبه من أيّ مجتهد يحاول الخوض في المجال العلمي الدّيني المتخصّص أن يتحلّى بمجموعة من المبادئ، أولاها التضلُّع في العلم الإسلامي بحيث يقدّم لنا من واقع هذا التضلّع والتعمّق معلومات يمكنها أن تسهم في الدّفع إلى الأمام بالبحث العلمي في المجال الإسلامي. وثانيها التخلّي عن الدّعوات الّتي سبق أن دعا إليها المستشرقون واقتدى بهم من قبله الأستاذ الفقيد محمد أركون.ونشتم من هذه المحاولة الاستشراقية خلفية إيديولوجية معيّنة، وهي ما يمكن وضعه بزمنية القرآن الكريم بمعنى تقديمه بأسباب النزول ومحلية الأحكام، في حين أن القرآن الكريم كما هي طبيعته هو الكتاب الصّالح لكلّ زمان ومكان والّذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}. وثالثها: ما الفائدة الّتي يجنيها المجتمع المسلم اليوم لو أنّنا طبّقنا هذه الدعوة بإعادة ترتيب سور القرآن، خصوصًا وقد انعقدت الوحدة الإسلامية عبر كلّ الأزمنة وفي مختلف مذاهب السُّنّة والشّيعة على النّظام الحالي للقرآن الكريم، والمسلمون ملتزمون بهذا؟ كما نشير إلى أنّ هذا الموضوع يعدّ أمرًا توقيفيًا أمر به الشّارع الحكيم سبحانه وتعالى، ولا يحقّ لأيّ شخص أن يجتهد فيه.أين وصلت تحضيراتكم لملتقى الشيخين الدولي؟ نأمل أن يكون ملتقى الشّيخين تجديدًا وبطبعة متميّزة لملتقيات الفكر الإسلامي النّاجحة، ولملتقى الشّيخ الإمام محمّد البشير الإبراهيمي الّذي انعقد منذ سنوات، وتبرز أهمية ملتقى الشّيخين في أنّه يخصّص لعالمين عيظيمين هما الإمام عبد الحميد بن باديس بمناسبة انقضاء 75 سنة على وفاته، والإمام محمّد البشير الإبراهيمي بمناسبة انقضاء 50 سنة على وفاته، وقد دعونا إلى هذا الملتقى الدولي ثلّة من علماء الأمّة الإسلامية من تونس وليبيا والمغرب وموريتانيا ومصر والعراق والمملكة العربية السعودية وتركيا..ويدخل هذا الملتقى ضمن السنة الدولية لقسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015، وسيعمّق المنهج الإصلاحي الّذي اضطلعت به الجزائر في هيئة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين فكانت لها بصماتها، لا على المستوى الوطني فقط، بل امتدّ إشعاعها إلى تونس والمغرب وباقي أجزاء الوطن العربي والإسلامي، وسيدوم هذا الملتقى الّذي تتكفّل به جمعية العلماء، بالاعتماد على المحسنين وحدهم، 3 أيّام من السادس إلى الثامن ماي عام 2015م، ونأمل أن يتميّز كما خطّطنا له بمستوى علمي من الأداء والنّقاش، ويعيد إلى المثقفين الجزائريين دورهم في أداء الواجب الثقافي الوطني المحترم لقضايا الدّين والوطن والأمّة، لأنّ هناك أيضًا نخبة من العلماء الجزائريين سيدلون بدلوهم العلمي إلى جانب إخوانهم من علماء الأمّة الإسلامية.    

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات