كشف وزير المالية، عبد الرحمان راوية، أن الدولة سترفع الدعم عن أسعار الوقود ابتداء من سنة 2019، لترفع الدعم عن المواد الأخرى المدعمة من الخزينة العمومية في السنة التي تليها أي سنة 2020، وهو التصريح الأول من نوعه الذي يدلي به عضو في الحكومة، رغم الأصداء والمساعي التي كانت تتجه نحو هذا الأمر منذ بداية أزمة أسعار المحروقات في منتصف 2014. بتصريح وزير المالية عبد الرحمان راوية، على هامش الاجتماع بين وزراء المالية العرب وصندوق النقد الدولي بدبي، تكشف الحكومة عن نيتها الحقيقية في التخلي عن سياستها الاجتماعية التي لطالما نادت بها، وبالتالي عدم التعامل مع شريحة واسعة من المواطنين بمنطق التحويلات الاجتماعية، تحت ذريعة أنها تكلف الخزينة العمومية حوالي 30 في المائة من الميزانية.وتكمن خطورة إعلان الوزير فيما يتعلق بالوقود بالخصوص في الأعباء التي سيترتب عليها رفع الدعم عن أسعار البنزين، ما سيعني ارتفاعا جنونيا، لاسيما أن تقديرات السلطات العمومية كانت تقدر سعر اللتر الواحد بأكثر من 50 دينارا على أقل تقدير، مع برمجة رفع الأسعار مجددا في 2019. وفي حال تحرير الأسعار، فإن متوسط الأسعار سيصبح غير مطاق، خاصة مع فقدان البدائل في دولة تعاني من اختلالات فاضحة في مجال النقل، وغياب منظومة نقل متطورة لسنوات أخرى، كما أن مراجعة أسعار الوقود ستنتج عنه زيادة كبيرة في العديد من القطاعات والمجالات.في وقت كانت السلطات العمومية في وقت سابق تلمح ولا تصرح بهذا الشأن، وتعمل على تقليص الدعم بشكل تدريجي من خلال رفع أسعار المواد الطاقوية في الثلاث سنوات الماضية، بما فيها كل أنواع الوقود بالموازاة مع استهلاك الكهرباء، ورغم أن الوزير لم يحدد المواد المعنية برفع الدعم، إلا أن الأمر من المقرر أن يتعلق بالمواد الغذائية على غرار الخبز والحليب وغيرها كالزيت والسكر، بينما ستعمل الحكومة على اتباع إستراتيجية جديدة تقوم على تحديد الفئات المعنية بالدعم من المجتمع، بدلا من تعميم الاستفادة منها على الجميع بمن فيهم الأغنياء كما الفقراء، بضخه في الأسعار مباشرة، وهي الآلية التي تعمل بها الكثير من دول العالم، التي تفرض إحصاء الأسر المحتاجة والتعامل مع هذه المسألة بمنطق العدل في توزيع أموال الدعم.وعلى هذا الأساس، فإن سعي الحكومة عبر الخطوة المنتهجة إلى توجيه أموال الدعم إلى فئات اجتماعية خاصة يأتي لتخفيف عبء ثقل مصاريف التحويلات الاجتماعية التي تمثل ما يقارب 30 في المائة من الميزانية الإجمالية، وهو الأمر الذي فرضته الظروف الحالية كنتيجة حتمية للتراجع المستمر للمداخيل الوطنية جراء تهاوي أسعار المحروقات، لتبلغ الحكومة حد التخلي عن جزء هام من برامجها الاقتصادية، بدعوى أنها لا تحظى بالأولوية والطابع الاستعجالي، وأضافت أن تطبيق هذا الأسلوب يقلص مصاريف الدعم بحوالي 30 في المائة على أقل تقدير.وعليه، فإن تراجع السلطات العمومية التدريجي عن سياسة الدعم لم يشفع لها بتجاوز حالة العجز، حيث إن الزيادات التي فرضتها على أسعار المواد الطاقوية على وجه الخصوص، على غرار الوقود والكهرباء، لم تخفف من وطأة استمرار تقهقر أسعار برميل النفط نحو مستويات متدنية جدا، ما ألزم الجهات المسؤولة في نهاية المطاف بالاستنجاد بفرض حزمة من الضرائب والرسوم الجديدة جاء بها قانون المالية لسنة 2017، وبعده قانون المالية للسنة الجارية.وإلى جانب سياسات الدعم، فإن الحكومة توحي بأن الوضع المالي سيكون صعبا إلى درجة عدم استبعاد الاستدانة بعد سنة 2019، وبرزت مؤشرات ذلك مع تسجيل ارتفاع محسوس للمديونية العمومية الداخلية وحتى الخارجية، فقد أشارت آخر تقديرات الحكومة إلى تجاوز المديونية الداخلية السنة الماضية عتبة 4000 مليار دينار أي ما يعادل 34.8 مليار دولار، بينما بلغت القيمة الإجمالية للديون نحو 4 ملايير دولار، وعجز للخزينة العمومية تجاوز سقف 1000 مليار دينار أو ما يعادل 8.8 مليار دولار.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات