38serv

+ -

 شخص طلّق زوجتَه مرّات عديدة ومتفرّقة، ومنذ سنة وهو يهجرها في الفراش خوفًا من أنّها بانَت منه بينونة كبرى، لكنّها لم تغادر البيت، وهما يشكّان في أنّ سِحرًا وُضع للتّفريق بينهما، فهل إذا ثبت ذلك وحُلَّ ذلك السّحر لم تُحسَب التّطليقات الّتي وقعت من تأثير السّحر؟ وكيف يفعلان الآن؟  قد يعترض صفو الحياة الزّوجية مشاكل قد تكون حقيرة وقد تكون كبيرة، قد تكون راجعة لسبب ماديّ دنيوي، وقد تكون راجعة للجهل بأمر من أمور الشّريعة، وأيًّا كان السبب فلا بدّ من مواجهة تلك المشاكل وحلِّها بأساليب شرعية ورد ذكرُها في الكتاب والسّنّة، حفاظًا على العلاقة الزّوجية وحرصًا على ديمومتها، ومن بين تلك الحلول الموعظة والهَجر في المضجع والاستعانة بأهل الزّوجة وبأهل الزّوج أيضًا، وإن لم يُفِد واحد من هذه الحلول في حَلّ المُشكل وأصبح الإبقاء على رباط الزّوجية شاقًّا وعسيرًا، بحيث لا تتحقّق به الأهداف والحِكم والمصالح، فالحلُّ النّهائي هو الطّلاق، فجعل الله الطّلاق آخر الحلول. ومن المؤسف أن يتلاعب الأزواج اليوم بلفظ الطّلاق ويرمونه على زوجاتهم لأتفه الأسباب ثمّ تجدهم يبحثون عن فتوى تُخرجهم ممّا أوقعوا فيه أنفسَهم.قال تعالى: ”وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا”، فالعلاج أوّلاً يكون بالوعظ والتّوجيه والتّذكير بالحقوق والواجبات الّتي أوجبها الله على كلّ طرف وعقوبة مَن يُفرِّط فيها ويكون بالتّخويف من جزاء مَن تعصي زوجَها ولا تؤدّي حقوقه والوعيد المذكور في الكتّاب والسّنّة.فإن لم ينفع ذلك فبالهجر في المضجع، واللهُ لم يُطلق لفظ الهَجر بل قيّده بالمضجع، وفي هذا توجيه إلهي حكيم، فلا يكون الهجر إلاّ في البيت ولا أمام الأسرة والأبناء والغُرباء، لأنّ الغرض هو المعالجة وليس التّشهير أو كشف الأسرار أو الفضيحة، فإذا لم ينفع ذلك فباللّجوء إلى الضرب غير المبرح الّذي لا يترك أثرًا نفسيًّا أو بدنيًّا، أمّا الضّرب على الوجه أو الضرب المبرح الّذي يؤدّي إلى الإضرار بالغير فلا يجوز مطلَقًا، ولنا الأسوة الحسنة في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الّذي كان ضربُه بالسِّواك أو بغمزة لطيفة على الجسد احترامًا منه صلّى الله عليه وسلّم لزوجاته أمّهات المؤمنين. وفي كلّ الأحوال، فإنّ الضّرب الوارد في الآية أفضل من الطّلاق وتستيت الأسرة وتشريد الأطفال وغير ذلك من نتائج الطّلاق. حتّى إذا لم تنجح تلك الوسائل تَدخَّل حَكَمٌ من أهل الزّوج وحكَم من أهل الزّوجة حتّى يُصلحَا ذات البين ويَمنعا الشّقاق بينهما.فهذه جملة من الحلول قبل اللّجوء إلى الطّلاق الّذي أصبح أوّل الحلول وأسهلها وأكثرها في مجتمعنا للأسف.فقولك إنّك طلّقتَ زوجتك مرّات عديدة ومتفرّقة ربّما قد حرمها عليك، فننصحك بالتوجّه إلى إمام حيِّك لتشرح له وتوضّح له تلك التّطليقات ويُفتيك في مسألتك، أو لجنة الفتوى على مستوى مديريات الشّؤون الدّينية أو على مستوى وزارة الشّؤون الدّينية والأوقاف.وقولك أنّك هجرتَ زوجتك في الفراش لمدّة سنة، فالمطلوب من الزّوج –كما ذكرنا- إذا نشزت الزّوجة بأن خرجت عن طاعته الواجبة أو فرَّطت في حقوقه أن يَعظها ويذكّرها بواجبها نحوه ويخوِّفها من غضب الله بنشوزها، ثمّ إذا لم يُفِد الوعظ والتّذكير هَجَرَها بتَرك فراشها فلا ينام معها، ولا يَهجرها بترك البيت كليّةً لقوله تعالى: ”وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ”، وقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ”ولا يَهجُر إلاّ في البيت”.ومدّة الهَجر أربعة أشهر مدّة الإيلاء، وهذا أقصاه، والأَولى أن لا يجاوِز به الشّهر كما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين هَجَر زوجاته، وإن اقتضت المصلحة أن لا تتجاوز مدّة الهَجر ثلاثة أيّام فذلك أفضل، خاصّة فيما يتعلّق بمصلحة الأولاد والتّسيير المشترك لشؤون المنزل.أمّا عن تأثير السِّحر في الزّوج وتغيير حالته ودفعه إلى التلفُّظ بالطّلاق ممّا قد يجعله فاقدًا للعقل أو التّركيز حال تلفّظه بالطّلاق، فهذا أمرٌ غير وارد، ومع ذلك ننصحك بالتقرُّب إلى أقرب مركز فتوى للتّفصيل في حالتك. والله أعلم.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات