خصّ الله المسلمين بيوم الجمعة وجعله عيدَهم الأسبوعي، وفرض فيه صلاة الجمعة، وميّز هذا اليوم بالخطبة الّتي تُلقى على مسامع المسلمين، جَمعًا لقلوبهم، وتوحيدًا لكلمتهم، وتعليمًا لجاهلهم، وتنبيهًا لغافلهم، وردًّا لشاردهم، بعد أسبوع كامل من العمل والجِدّ والخوض في مُغريات الدّنيا ومُلهياتها، فتكون عونًا لهم من جديد، ودفعًا على تحمّل نصَبِ المعيشة وكدح الحياة ومُغالبة الصّعاب.ولمّا كانت الغفلة تُسرع إلى قلوب النّاس، والنّسيان من العوارض الّتي تحول بين الإنسان وبين ما رغّب الله، شرّع الله أحكامًا ترفع من قدر هذا اليوم، وتُعلي من شأن صلاة الجمعة، وتُكسب الخطبة قيمة عظيمة ليكون الاهتمام بها أكبر، ومن ذلك أمره بالسّعي إليها وُجوبًا، بل وحرّم الاشتغال بأمور الدّنيا لأجلها، قطعًا لكلّ صارف عن التوجّه إلى صلاة الجمعة والإنصات للخطبة عند الدّعوة إليها.إنّ يوم الجمعة يوم عظيم ينبغي للمسلمين تعظيمه، ذلك لما وقع فيه من أحداث عظيمة مثل خلق آدم عليه السّلام، بعد أن خلق الله الكون وكلَّ شيء وهيّأه، فاليوم الّذي فرغ الله فيه من خلق الخليقة جدير بأن يُعظّم ويُتخّذ عيدًا، ويتوجّهون إليه بالعبادة والدّعاء والشّكر والثّناء، قال الله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} البقرة:28-29، وهو يوم يُتوقّع فيه الحدث الهائل الّذي تنفطر منه السّماوات وتنشقّ الأرض وتخرّ له الجبال هَدًّا، ألاَ وهو يوم القيامة، فقد قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ”إنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الأَيَّامِ وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللهِ، وَهُوَ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ يَوْمِ الأَضْحَى، وَيَوْمِ الْفِطْرِ، وَفِيهِ خَمْسُ خِلاَلٍ: خَلَقَ اللهُ فِيهِ آدَمَ، وَأَهْبَطَ اللهُ فِيهِ آدَمَ إلَى الأَرْضِ، وَفِيهِ تَوَفَّى اللهُ آدَمَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لاَ يَسْأَلُ اللهُ فِيهَا الْعَبْدُ شَيْئًا إلاَّ أَعْطَاهُ إيَّاهُ مَا لَم يَسْأَلْ حَرَامًا، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، وَلاَ سَمَاءٍ، وَلاَ أَرْضٍ، وَلاَ رِيَاحٍ، وَلاَ جِبَالٍ، وَلاَ بَحْرٍ إلاَّ وَهُنَّ يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ” رواه أحمد وابن ماجه. فيوم وقعت وتقع فيه مثل هذه الوقائع، وفيه ساعة جديرة بأن يترقّبها النّاس أسبوعًا بعد أسبوع، لحريّ بالنّاس أن يُعظّموه من شروق شمسه إلى غروبها دون أن تفوتهم منه ساعة بغير فائدة.ولمّا كان هذا اليوم عظيمًا أمر الله الخليقة بتعظيمه، فاختلف اليهود والنّصارى فيه فضلّوا وزاغوا بعدما اختاروا يوم السبت والأحد عيدًا، بينما هدى الله هذه الأمّة فجمعهم فيه، فهو يوم اجتماعهم، ويومٌ يزدادون فيه إيمانًا بالعبادة والخطبة والموعظة الحسنة، ويوم تُظهر فيه مناسك الدّين، لذلك فإنّ من أشدّ ما يغيظ اليهود والنّصارى أن يروا المسلمين يقيمون لهذا اليوم وزنًا، ومن أشدّ ما يرونه عقبة في تحقيق أطماعهم تلك الخطبة الّتي تُجدّد للمسلمين عهدهم مع الله، وتُذكّرهم بحقّ الله وواجب الدّين، والأمانة الّتي في أيديهم من أمور الدّنيا والآخرة، فلا يمرّ على المسلمين أسبوع إلاّ وقد طردوا الغفلة الّتي تصيبهم، وتذكّروا الواجبات الّتي على عاتقهم، وقاموا بعد ذلك لنداء الربّ طائعين، ولصوت الحكمة والنّصيحة مستجيبين، وللحقّ متّبعين، وهذا ما يُبيّن قيمة يوم الجمعة وخطبة الجمعة، ويُبيّن لنا أن المسلمين بغير الجمعة وخطبتها على شفا هلكة وتفرّق وضعف، لذلك يسعى أعداء الأمّة لتضليل المسلمين عن هذه الشّعيرة المهمّة، والتخلّي عن خطبتها ذات القيمة العظيمة، فهل يعيد المسلمون لهذا اليوم الأغرّ قيمته حتّى يستحقّوا عطاءه؟
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات