38serv

+ -

 في تفسير الوضع العربي العبثي وفي تفسير هذا الانهيار، بعد أمل انتشر عقب انتفاضات طرحت بإلحاح قضية أساسية وهي علاقة السلطة بالناس، هناك نظرتان: نظرة تركز على العدو الخارجي ونظرة تركز على العوامل الداخلية.وإن كان من المستحيل طرح مسألة الخارج والاستراتيجيات المتعددة في المنطقة، الغربية منها والإسرائيلية وغيرها، بما تحمله من نقاط التقاء واختلاف، فإن العوامل الداخلية هي المشكلة الأكبر. وحتى الرئيس الأمريكي نبه لذلك في لقاء له مع طوماس فريدمان من نيويورك تايمز حيث قال: “..إن أكبر خطر يهدد الدول العربية ليس إيران، وإنما الغضب داخل بلادهم، لاسيما من قبل الشبان الغاضبين والعاطلين، والإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم”.أولا: لقد اكتشفنا بشكل واضح ومتكرر أن الدول القائمة تفتقد للمؤسسات وهي مجرد سلطة مطلقة مهيمنة على كل شيء عندما تنهار تترك فراغا، لم تكن المجتمعات، بسبب سنين من تغييب الفعل السياسي ومنع النخب من أي فعل وتدمير علاقتها بمختلف الفئات الاجتماعية، قلت لم تكن هذه المجتمعات قادرة على تجاوزه بشكل متوازن وسلس.ثانيا: في غالب الحالات صارت المسألة الأمنية هي المطروحة بحدة، مع تحميل المسؤولية للتطرف الإسلاماوي، مما قد ينذر بإعادة إنتاج أنظمة أمنية شمولية وينذر بتأجيل حل مسألة السلطة والحرية والديمقراطية.ثالثا: باختلاف الحالات في اليمن والعراق وسوريا ومصر والسودان وليبيا وتونس، في عدد من التفاصيل والملامح، تظل المشكلة واحدة، إعادة التأسيس للدول، من حيث إقامة علاقة أخرى بين الشعوب والسلطة ومن حيث تسوية مشكلة كيفية الوصول إلى السلطة وكيفية ممارسة السلطة وكيفية مغادرة السلطة، وهي إشكالية مطروحة منذ تحويل معاوية الحكم وراثيا وببيعة منتزعة بالقوة بعد “الفتنة الكبرى”.هل من مخرج من هذا الوضع؟في الجزائر مثلا انتشر مصطلح صار يعكس نوعا من الإجماع وهو: التوافق الوطني. المنطقة العربية كلها في حاجة للتغيير على قاعدة التوافق على بناء دولة المؤسسات والقانون. ولكن هناك متاهات كثيرة تمنع ذلك.الأنظمة القائمة والمصالح المرتبطة بها، تعرف أنها إن تنازلت عن هيمنتها لن تستطيع الصمود ونهايتها ستكون حتمية، والمجتمعات ما زالت تعيش عجز قواها السياسية ومختلف مكوناتها الاجتماعية عن الوصول إلى رؤية مشتركة لبناء التوافق وإحداث التغيير.والخارج لا تهمه كثيرا مسألة استقرار الأوضاع ومرجح أنه لا يرى مصلحة في بناء التوافق وإحداث التغيير السياسي المؤسس للدول الحديثة في هذه المنطقة.لهذا، فإن بناء التوافق غير ممكن مع الأنظمة والمصالح القائمة وغير ممكن انتظاره من الخارج ويبقى الحل الوحيد هو بناء هذا التوافق على أنقاض الأنظمة والمصالح وأحيانا على أنقاض الدول القائمة وليس الأنظمة فقط.لكن العملية ليست بسيطة أيضا لأن مختلف مجتمعات المنطقة تهدر فيها طاقات وتبدد فيها عوامل القوة الذاتية والجماعية، إنها عملية مرجح أن تبدأ من أقل من الصفر ومن الخراب ومن الانهيار الشامل لأركان الدول، جيوشا وأجهزة أمنية وإدارات واقتصاد، بل وقد تبدأ من تفتيت المجتمعات إلى كيانات متحاربة على أساس طائفي أو عرقي. ومؤشرات ذلك واضحة في المجتمعات العربية المشرفة على الانهيار الكلي، كما هو الحال في العراق وسوريا وليبيا والسودان، وحتى في عدد آخر من المجتمعات التي ما زالت تحكمها سلطة مركزية.في كل الأحوال لا ينبغي الندم على الأنظمة التي انهارت ولا على الدول التي اندثرت لأنها لم تكن إلا أنظمة واهية قائمة على الاحتكار، احتكار السلطة والثروة، وعلى الطغيان. وحتى وإن تظافرت عوامل الداخل وحسابات الخارج في إحداث ما هو حادث، فإن العلة الأولى هي في دول ليست دول وأنظمة قوية بطغيانها على مواطنيها فقط، وضعيفة وتابعة تبعية كلية في شرعيتها واستمرارها للخارج.قد يستمر التيه والتدمير فترة زمنية لكن المهم هو منع قيام أنظمة الطغيان مرة أخرى ومنع قيام دول التبعية والعجزمن اليمن إلى المغرب، هناك ما يدفع للاعتقاد أن مرحلة انتهت ولكن لم ترتسم بعد ملامح ما بعدها، والملامح القائمة مخيفة جدا، لأنها قد تنتج أكثر من “داعش” وتفقد الإسلام وظيفته الحقيقية وتنتج العنف الذي يمنع البناء ويمنع التغيير الحقيقي.لكن للنخب العربية ما يفترض أن يمكنها من الشروع، خاصة إن توحدت الجهود في بناء التوافق الحامل للتغيير والاستقرار حتى يتوقف العبث عبث المصالح الداخلية وأوهام الهوية العرقية أو الطائفية وأوهام البناء بالتدمير المتبادل للهويات المكونة للدولة والأمة[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات