هل التلفزيون الجزائري عاصمي؟ هذا هو السؤال الذي طرحه أحد القراء الكرام معبّرا عن قلقه من مساهمة التلفزيون في صناعة غد الجزائر. فتلقى عددا من الإجابات المختلفة بين مؤيّدة ومعارضة، وحتى غاضبة. وكاد الاختلاف في الرأي أن يفسد للودّ قضية! وهذا دليل إضافي على غياب الحوار أو تغيّبه في وسائل الإعلام الجزائرية بصفة خاصة، والمجتمع الجزائري، بصفة عامة، والانجرار السريع نحو التشكيك في النوايا والاتهام. وأعتقد أن صاحب السؤال لم يحمّل سكان العاصمة أي ذنب على ما آل إليه التلفزيون. ولم يتحامل على الصحافيين والفنيين والفنانين العاملين في التلفزيون. ويمكن أن أشهد، بحكم موقعي، أنهم من ولايات الجزائر المختلفة. كما أن صاحب الرسالة لم يشر إلى المسؤولين الذين تداولوا على إدارة التلفزيون، وهم بالمناسبة من مناطق مختلفة من الوطن. وإجابات القراء المختلفة عن السؤال تقرّ، ولو بشكل ضمني، بما طرحه صاحبه الذي ركز على التلفزيون كمؤسسة وأثار ثلاث قضايا للنقاش، على الأقل.1- اتسمت وسائل الإعلام، في العهد الاستعماري، بطابعها المحلي والجهوي. وقد سعت السلطات الجزائرية، منذ الاستقلال، إلى إنشاء مؤسسات إعلامية مركزية، أي وطنية، انطلاقا من اعتقادها بأن ما هو محلي وجهوي سيعرّض الوحدة الوطنية للتفتيت والانقسام. وكان هذا الاعتقاد مبررا في السنوات الأولى للاستقلال، لكن تجسيد مفهوم “الإعلام الوطني” لم يتحقق، مع الأسف، إذ كاد يختصر في البيانات الرسمية وتحركات المسؤوليين. فلا تظهر مناطق الجزائر المختلفة إلا بمناسبة زيارة أحدهم فقط. وطالما أن العاصمة شكلت وتشكل المجال الأول لتحركهم اليومي فتبدو مستحوذة على الأخبار. وهذا لا ينفي وجود من يعتقد، عن عدم دراية، أن العاصمة هي الجزائر بتنوعها الثقافي واللساني، كما أكد بعض المعلقين. وهكذا أفرغ الخبر الوطني من حمولاته الاجتماعية والثقافية والفنية واختزل في الأحداث البروتوكولية التي يقوم بها هذا المسؤول أو ذاك. والدليل على ذلك أن الخبر الوطني، وحتى الوطن، يكاد يختفي في أثناء العطلة الصيفية. فالجريدة المتلفزة تكتفي ببث أخبار المخيمات الصيفية، التي أشرف عليها فلان أو علان، لتنتقل إلى أخبار الخارج لأن النشاط الرسمي يقلّ أو يختفي. بالطبع، إن هذا الأمر لا يجب أن ينسينا بعض الحقائق، مثل كسل بعض الصحافيين الذين لا يكلفون أنفسهم مشقة الانتقال إلى أبعد من رياض الفتح أو الجامعة المركزية بالعاصمة لاستقصاء آراء المواطنين في خطاب المسؤول الفلاني أو القرار الذي اتخذه. ولا يبث التلفزيون منها سوى ما يتطابق مع الخطاب الرسمي.2- إن الاستهزاء باللباس الجزائري الأصيل ولهجة أبناء الجزائر بمخارج حروفها المختلفة وبعض مفرداتها ليس وليد اليوم. فقد ورثناه عن الحقبة الاستعمارية. فالمستعمر الفرنسي كان يسخر من الجزائري - ابن البلد - “لغرابة” لباسه وكلامه وأكله، و«تخلّفه” بصفة عامة. فما أثار استنكار طارح السؤال أعلاه هو أن التلفزيون الجزائري ظل يعيد إنتاج الصور النمطية التي ورثناها عن المستعمر الفرنسي والرامية إلى بخس الذات والحط من قيمتها. إنه ليس الجزائري الوحيد الذي جزع من بعض “اللقطات الإشهارية” و«السكاتشات” والأفلام والمسلسلات وحتى الأغاني التي جعلت من لباس أجدادنا، اللباس الجزائري التقليدي: الشاش والڤندورة والسروال ذو العرضين، والقشابية والبرنوس مسخرة. وهذا خلافا لجيراننا الذين ظلوا يرتدونه إلى يومنا هذا، في المناسبات الوطنية والدينية، جاعلين منه رمزا وطنيا.3- لا أعتقد أن التلفزيون الجزائري يتحمل مسؤولية الخليط اللغوي الذي اكتسح الشارع الجزائري. لكنه يُلام على تشجيعه له وتقاعسه المضر عن ترسيخ لغة إعلامية مبسطة تشكل القاسم المشترك بين كل الجزائريين. فلست أدرى ما المانع من تشكيل لجنة متعددة الاختصاصات تساعد التلفزيون على تحقيق ذلك. فإذا كانت أغلبية الجزائريين تفهم كلمة “ قُدَّام” أفضل من أمام، وكلمة “وراء” أفضل من “خلف”، على سبيل المثال، فلماذا لا تستخدم نشرة الأخبار التلفزيونية ما يفضلونه من العبارات والمفردات المنحوتة من اللغة العربية. فالتلفزيون الوطني يجب أن يعكس هوية وطنية. فعندما وقعت بلدان الاتحاد الأوربي على معاهدة “ ماستريخت” في 1992 اختلف صحافيو قناة التلفزيون الفرنسي الثانية في نطق اسمها. فنطقها كل واحد منهم على هواه، مما استدعى تدخل القناة التلفزيونية لتوحيد نطقهم لأنهم ينتمون إلى تلفزيون وطنيلقد أراد طارح السؤال أعلاه معرفة هل انزياح التلفزيون الوطني إلى تلفزيون جهوي يجري بقصد أو دونه؟ ويمكن استحضار الكثير من الحجج التي تنفي أن هذا الانزياح يتم بوعي. إذا، متى يدرك الوعي منتهى لا وعيه بوضع التلفزيون؟www.nlayadi.com
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات