38serv

+ -

أخضعت المديرية العامة للأمن الوطني 77499 شرطي للتقييم النفسي خلال الفترة الممتدة بين 2012 والثلاثي الأول من السنة الجارية، حيث استفاد 2004 منهم من إجراءات تغيير منصب العمل، وتقريب وتحويل لدى ولايات إقامتهم لتوفير الجو الملائم لهم للعمل، حسب وحدة الطب النفسي للأمن الوطني، بينما أشارت الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان إلى معاناة أصحاب البذلة الزرقاء من ضغوط نفسية، جراء تنفيذهم أوامر لا ترتاح لها ضمائرهم أثناء مواجهتهم احتجاجات الشارع.تفاقمت المشاكل النفسية لرجال الشرطة خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع حالة الاحتقان التي يعيشها الشارع الجزائري بسبب الانغلاق السياسي والانسداد الاجتماعي، والذي عرف موجة من الاحتجاجات في مختلف المجالات الاجتماعية، النقابية، الاقتصادية، البيئية والسياسية والحقوقية، واجهتها الدولة بتجنيد أصحاب البذلة الزرقاء الذين هم في الأخير مواطنون يتأثرون بمحيطهم.فحسب دراسة كان قد أنجزها مكتب المتابعة النفسية التابع للمديرية العامة للأمن الوطني، قبل نحو سنتين ونصف، تطرقت إلى ظاهرة انتحار رجال الشرطة، فإن 15 بالمائة من ضحايا الصدمات النفسية جراء الأعمال الإرهابية التي عرفتها الجزائر سنوات التسعينيات، تظهر على أصحابها أعراض مرضية ما بعد الصدمة والمتمثلة في اضطرابات نفسية متتالية بسبب الحوادث الصدمية المفروضة عليهم بالقوة والمؤدية حتى إلى الموت، حسب المؤشرات المذكورة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية.وكان معدّ الدراسة، الأخصائي النفسي كشاشة أحمد بوعلام، قد ذكر عند عرض نتائجها أن اللجوء إلى التشريح النفسي لحالات الانتحار من الانشغالات الأساسية للمسؤولين على الأمن الوطني، وتتطلب رسم خطة للقضاء على هذه الظاهرة أو للتخفيف منها، وتخصيص أخصائيين نفسيين للتنبؤ بظاهرة الانتحار، من خلال تقنية التشريح النفسي وهي تقنية تستعمل لتشخيص العوامل المؤدية للانتحار. وتتضمن هذه التقنية تسطير أو التطرق للمسار الحياتي لرجل الشرطة المنتحر، بالحديث مع المقربين منه وسؤالهم عن حاله واللجوء إلى زملائه وأصدقائه وكذا طبيبه المعالج وحتى عائلته، خاصة في فترة ما قبل الانتحار وتحديدا في الأيام أو الأشهر القليلة التي سبقت الانتحار.ويتمحور موضوع الأسئلة، حسب النفسي كشاشة، حول ظروف موت رجل الأمن أي ظروف الانتحار، وفهم الإطار المهني الذي كان ينشط فيه، مع معرفة الجانب الصحي والعقلي والأمراض التي كان يشكو منها، والتطرق إلى الجانب العلائقي الأسري والأحداث الحياتية السلبية إن وجدت في حياته وكيف كان تأثيرها عليه وكيف كان تعامله معها.وبالعودة إلى الإحصاءات الرسمية حول حالات الانتحار في صفوف عناصر الشرطة، فإن الأرقام تشير إلى وقوع 10 حالات انتحار في السنة، وهي معدلات تبقى متغيرة، في ظل التكتم على الأرقام الرسمية، حيث أفادت الخلية المركزية للمتابعة النفسية بالمديرية العامة للأمن الوطني بأن عدد حالات الانتحار بلغ 40 حالة بين 2005 و2009، فيما حاول ستة آخرون الانتحار وأطلق 5 آخرون النار على زملائهم، ما جعل المديرية تزيد من عمليات توظيف الأطباء النفسانيين، خاصة أثناء حوادث غرداية الأخيرة، حيث تم إيفاد لجنة طبية عاجلة بأوامر من اللواء الهامل تتكون من 30 طبيبا نفسانيا، بغرض العناية برجال الشرطة وعناصر وحدات التدخل.ولمواجهة ما يعرف بـ”الانتحار المهني” في صفوف رجال الشرطة، خصصت المديرية العامة للأمن الوطني وحدة متخصصة في الطب النفساني العيادي تضم 282 طبيب نفساني وخبير موزعين عبر مصالحها المنتشرة عبر التراب الوطني للتكفل بالإصغاء والدعم البسيكولوجي النوعي لأفراد الشرطة المكلفين بحفظ النظام، ناهيك عن الاستقبال والإصغاء كإجراء وقائي لكل عنصر شرطة قد يلاحظ عليه رؤساؤه تغيرا في سلوكه العادي الذي في غالب الأحيان يكون لأسباب ترتبط بالبيئة الاجتماعية.من جانب آخر، كانت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان قد أعربت عن قلقها حيال استفحال ظاهرة الانتحار في صفوف الشرطة خلال السنوات الأخيرة، فحوالي 10 موظفي شرطة ينتحرون سنويا، آخرهم شرطي بأمن دار الشيوخ في الجلفة، وقبله انتحار شرطي برصاص مسدسه ببجاية، بينما انتحر آخر في غرداية.وترى الرابطة، حسب أمينها الوطني المكلف بالملفات المختصة، هواري قدور، أن الأسباب التي تدفع الشرطي لوضع حد لحياته باستعمال سلاحه الناري، ترجع لاعتماد الدولة سياسة مواجهة التظاهرات السلمية بتجنيد أفراد الشرطة الذين يعانون من حالة الإكراه النفسي بسبب تنفيذهم أوامر لا ترتاح لها ضمائرهم.كما يعتبر القلق والضغط النفسيان من أهم الدوافع الرئيسية لإقدام رجل الشرطة على الانتحار، فهو الموظف الوحيد غير المرتبط بمواقيت عمل محددة، حيث لا يعرف متى يغادر عمله بالضبط وقد يواجه طارئا في أي لحظة، ما يجعله متوترا وقلقا على الدوام في انتظار مواجهة حدث مجهول.كما أشارت الرابطة إلى أن عدم وجود نقابة تدافع عن حقوق أصحاب البذلة الزرقاء، جعل الشرطة ترتبط في أذهان الجزائريين بمظهر “عسكرة” لا تختلف في تنظيمها عن التنظيم المعتمد لدى الجيش، وهذا لا ينسجم مع واحدة من معايير المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، لأن التمدين يقابله بالضرورة وجود سلطة مضادة داخل الإدارة، مهمتها الحفاظ على توازن المؤسسة أو الجهاز.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات