في سنة 1990 أتيحت لي فرصة زيارة المفاعل النووي الإيراني الأول بوشهر..كان العالم النووي الذي قدم لنا عرضا عن نشاط المفاعل النووي لا يخفي إرادة إيران الثورة في الدخول إلى قلب الذرة كما فعلت الهند وباكيستان...وإيران هنا لا تقيم وزنا للمجموعة الدولية التي تحرم الانتشار النووي، وقد بدأ المشروع النووي الإيراني الشاه وأكملته الثورة الإيرانية.كنت وقتها أتحسر على حال العرب عامة، والجزائر ومصر والعراق خاصة في موضوع إرادة الدخول إلى قلب الذرة.كان الرئيس بومدين رحمه الله قد جمع 10 علماء جزائريين مختصين في الفيزياء النووية، وقال لهم: “خذوا ما شئتم من الأموال والإمكانيات..أريد أن أدخل إلى قلب الذرة مثل الهند في بحر عشر سنوات من الآن”!مات بومدين وتولى الشاذلي الحكم...فقدم له صديقه ميتران أول نصيحة، وهي التخلي عن فكرة الدخول إلى قلب الذرة...وتعويضها بفكرة البحث في الطاقات البديلة مثل طاقة الشمس والرياح...أنهى الشاذلي مهام مجموعة البحث النووي، وحوّل مقر هذه المجموعة أمام وزارة الدفاع إلى فيلات يسكنها عقداء بعد أن رقاهم إلى جنرالات!قابلت وقتها أحد أعضاء هذه المجموعة البحثية في الذرة، فقال لي: إن ما قام به الشاذلي جريمة في حق أمن البلد على المدى البعيد..فالطاقات الجديدة ليست علما..فالطاقة الشمسية وغيرها من الطاقات هي طاقة تجارية تباع في الأسواق مثل البطاطا، يمكن لأي كان أن يشتريها بالمال، ولذلك فهي ليست محل بحث علمي...في حين أن الذرة والصواريخ الباليستية هي وحدها التي تعتبر علما محرما على الدول السائرة في طريق النمو لتبقى حكرا على الدول العظمى، وقال لي: بلادنا تملك كل المقومات لأن تصبح القوة الإقليمية في حوض المتوسط...فالمسافة بين الجزائر وبرج باجي مختار تصل إلى 3 آلاف كلم، وهي مسافة كافية لتجريب صناعة الصواريخ الباليستية، رمز القوة الردعية في عالم اليوم.وبلادنا تملك الأورانيوم بكثرة في جنوب الصحراء، وهو طاقة المستقبل..فلماذا نتوقف عن البحث في هذا المجال؟!اليوم دخلت إيران إلى قلب الذرة واعترف بها الغرب كقوة إقليمية، من حقها أن تسوّق نساء إمارات الخليج العربي ومصر والعراق والجزائر بالعصا كما تساق النوق!وقد طلبت إسرائيل من أمريكا أن تتوسط لها عند إيران كي تعترف بحق إسرائيل في الوجود...وبات ما قاله لي العالم الجزائري في الذرة...من أن الصواريخ الباليستية والذرة هي العلم الحقيقي، وما عداه عبث، بات حقيقة.السعودية ومصر يمارسان قوتهما الإقليمية ضد جياع اليمن...وضد جياع الصومال والسودان، وضد أجلاف ليبيا وضد بؤساء سوريا، ويرقصون مع “خالات” الخليج على أنغام قواعد عديد والظهران وقواعد العراق!إنني تعبان، ومع ذلك ارتاح لاحتلال إيران أكثر من أن أرتاح لاحتلال آل سعود لليمن بإرادة الاستعمار الكبير؟!آه يا وطن لم يبق منه إلا الاسم.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات