لقد فرحت أيّما فرح عندما سمعت الوزير الأول يقول: إن البلاد بها 370 ألف مليار خارج رقابة الدولة! فأنا فعلا سعيد حين أسمع بأن هناك أنشطة بهذا الحجم خارج رقابة السلطة الفاسدة! لكن من جهة أخرى يتملكني الحزن، لأن البلاد لم يعد فيها أي شيء شرعي، حتى التجارة أصبحت غير شرعية هي الأخرى!البلد تحوّل في عمومه إلى دار كبيرة للعجزة، كل شيء فيها أصابه الشلل.. الحكومة مشلولة، والبرلمان مصاب بالكساح السياسي، والأحزاب مصابة بالعجز عن الحركة.. والمؤسسات الاقتصادية تحوّلت إلى دور للعجزة، مثل المنظمة الوطنية للمكفوفين، تنتظر مساعدة الدولة المحسنة!هل يعقل أن الحكومة تعد قانونا للمالية في أجواء أزمة اقتصادية خانقة سحبها تلوح في الأفق، جراء تدهور أسعار البرميل.. ولا تأخذ الحكومة هذه الأوضاع على محمل الجد.. وتحضّر الحكومة والبرلمان قانون مالية لا يعمّر حتى 3 أشهر، وتأتي الحاجة الماسة إلى إعادة النظر فيه بقانون مالية تكميلي؟! هل هذا من باب العمل الجدي لحكومة تحكم بلدا يواجه أزمة متعددة الجوانب؟!ويبقى السؤال: إذا كانت الحكومة عاجزة إلى هذا الحد عن تقدير الموقف الاقتصادي المتأزم، فكيف عرفت أن البلاد بها 370 ألف مليار دينار خارج رقابة الحكومة؟! هل نفهم من هذا أن الحكومة تعرف هذا الخلل وسكتت عنه طوال سنوات؟! إن تقديرات الحكومة تشبه العلم “بخط الرمل”!إن محنة البلاد ليست في وجود 370 ألف مليار دينار في السوق الاقتصادية تنشط بطريقة غير شرعية.. بل محنة البلاد تكمن أساسا في وجود نظام غير شرعي بكل هياكله السياسية من الرئاسة إلى رئاسة البلدية.. وهو ما أشاع عدم الشرعية في كل شيء.. فلا يمكن أن نطلب من حكومة غير شرعية أن تنجز لنا اقتصادا شرعيا!عندما يقبل الرئيس والحكومة والحزب الحاكم أن تموّل الانتخابات الرئاسية من أموال غير شرعية، بأموال البڤارين والسرّاق وبطريقة غير شرعية، فلا يمكن لرئيس حكومة أن يتحدث عن المال غير شرعي يكون حديثه جديرا بأن يسمع! فماذا لو صرخ هؤلاء الذين يتوعدهم سلال بالويل والثبور وعظائم الأمور قائلين له: نحن الذين موّلنا العهدة الرابعة خارج القانون، ولنا الحق أن ننشط خارج القانون؟! فماذا سيكون الموقف؟!
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات