جاءت الرواية السادسة عشرة للروائي البيروفي ماريو فارغاس يوسا، الصادرة حديثا مترجمة للإنجليزية بعنوان ”البطل الخفي”، رواية جذابة وتلقائية كما هو حال بطلها فيليستو يانكي، الرجل الذي يستيقظ ذات صباح ليجد نفسه هدفا للمبتزين، فقد علقت ورقة تهديد على باب مكتبه تطالبه بالمال نظير حماية أعماله، وبدلا من التوقيع كانت هناك صورة لعنكبوت مرسومة باليد.كانت المبالغ المطلوبة صغيرة نسبيا، وبينما كان الأهل والعائلة يبحثون عن تسوية، فإن فيليستو يرفض الاستسلام. فقد شق طريقه في الحياة بصعوبة، طفولته كانت مريرة، وشبابه لم يكن أقل من ذلك، لكنه على الدوام كان يسترشد بوصية واحدة لوالده المتوفى: ”لا تركع ولا تنهزم أمام أحد”. تحديه أثار أعداءه وجعلهم يجربون أكثر الوسائل وحشية لأجل إركاعه. وفي الرواية نشهد المواجهة بين رجل ذي مبدأ راسخ وعدو عنيد.من يقف وراء رسالة التهديد؟ وهل يمكن أن تُحبط نوايا المبتزين؟ ومع ازدياد المخاطر، هل سينتصر فيليستو أم يستسلم وتكسر شوكته؟ هذه الأسئلة هي التي تكوّن حبكة الرواية والتي تجعلها تبدو كأنها واحدة من روايات الرعب الكلاسيكية، لكن الحيوية التي فيها وطابعها الكوميدي والأخلاقي يجعلانها شيئا أقرب إلى ملحمة أدبية.فيليستو يعيش في بيورا، وهي بلدة ريفية شمال غربي البيرو، حيث قضى فارغاس يوسا جزءا من طفولته. وقد قام بوصفها بشكل أخّاذ، من مناخها الحار وطنين الذباب المنتشر إلى ظلال أشجار التمر الهندي. الشوارع المزدحمة والشخصيات التي صاغها بكل مودة، المعدمون مثل الشرطي النزيه ويدعى الرقيب ليتوما، العرافة أديلايده في متجرها في منطقة المجزرة، والسيد لاو البقال الصيني.لقصة فيليستو تشابه مع قصة بطل خفي آخر تتقاطع معه، إنه دون روغيبرتو، وهو محاسب ناجح يعمل في العاصمة ليما وقد ظهر سابقا في إحدى روايات فارغاس يوسا السابقة، فقد خلق له عددا من الأعداء الأقوياء، بعد أن وافق على أن يكون شاهدا لزواج رئيسه العجوز من شابة حسناء تصغره كثيرا فتم تهديده من قبل أبناء العجوز الاشقياء. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فإن رجلا غريبا غامضا يدعى إيدلبرتو توريس قد بدأ بملاحقة ابنه المراهق فونشيتو. وكان الوصف الذي ينطبق على إيدلبرتو أنه الشيطان بعينه.في رواية ”البطل الخفي” نجد أن شخصياتها تتمتع بثمار الازدهار الاقتصادي الذي تعيشه البيرو. والزوار القادمون من ليما إلى مدينة بيورا النائية يندهشون من أن هذه المدينة أصبحت فيها دور للسينما ومحالّ راقية، لكن بحبوحة العيش تخلق أشكالا جديدة من الطمع عند بعض الناس. فيليستو ودون روغيبرتو كلاهما كانا يشعران بخيبة أمل تجاه جيل الشباب الذي لم يعد يرغب بالأعمال الشاقة، وأغوته المظاهر المادية وأصبح يرطن بمفردات غريبة عن لغته الأم. ”هذه هي ضريبة التطور”، يتنهد الشرطي وهو ينظر في ورقة التهديد التي تلقاها فيليستو. ثم يقول ”عندما كانت بيورا مدينة فقيرة، لم تكن تحدث مثل هذه الأمور”. والرواية تنبهنا إلى أن لا ننخدع ببريق الحضارة والرخاء.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات