تنزيل الملائكة، وعلى رأسهم جبريل عليه السّلام، بإذن ربّهم ومعهم هذا القرآن باعتبار جنسه الّذي نزل في هذه اللّيلة المباركة، وانتشارهم فيما بين السّماء والأرض في هذا المهرجان الكوني، الّذي تصوّره كلمات السورة تصويرًا عجيبًا.لقد فرّق في هذه اللّيلة السّعيدة من كلّ أمر حكيم. وقد وضعت فيها من قيم وأسس وموازين، وقد قرّرت فيها من أقدار أكبر من أقدار الأفراد، أقدار أمم ودول وشعوب، بل أكثر وأعظم، أقدار حقائق وأوضاع وعلوم. ولقد تغفل البشرية، لجهالتها ونكد طالعها، عن قدر ليلة القدر، وعن حقيقة ذلك الحدث، وعظمة هذا الأمر. وهي منذ أن جهلت هذا وأغفلته فقدت أسعد وأجمل آلاء الله عليها، وخسرت السّعادة والسّلام الحقيقي، سلام الضمير وسلام البيت وسلام المجتمع الّذي وهبها إيّاه الإسلام. ولم يعوّضها عمّا فقدت ما فتح عليها من أبواب كلّ شيء من المادة والحضارة والعمارة، فهي شقية على الرّغم من فيض الإنتاج وتوافر وسائل المعاش.ونحن المؤمنين، مأمورون أن لا ننسى ولا نغفل هذه الذِّكرى، وقد جعل لنا نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم سبيلاً هيّنًا ليّنًا، لإحياء هذه الذّكرى في أرواحنا لتظلّ موصولة بها أبدًا، موصولة كذلك بالحدث الكوني الّذي كان فيها وذلك فيما حثّنا عليه من قيام هذه اللّيلة من كلّ عام إيمانًا واحتسابًا، فمن قامها على هذه الحالة غُفِر له ما تقدّم من ذنبه..والإسلام ليس شكليات ظاهرية، ومن ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في القيام في هذه اللّيلة المباركة أن يكون ”إيمانًا واحتسابًا”.. وذلك ليكون هذا القيام استحياء للمعاني الكبيرة الّتي اشتملت عليها هذه اللّيلة ”إيمانًا” وليكون تجرّدًا لله وخلوصًا ”واحتسابًا”، ومن ثمّ تنبض في القلب حقيقة معيّنة بهذا القيام، ترتبط بذلك المعنى الّذي نزل به القرآن.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات