كثيرًا ما يجحد المرء أمورًا من الغيب، ويستبعد حدوثها، لأنّ الحاضر أعماه والماضي أنساه، فهو لا يرى غير النّاجز، وكلّ ما سواه خبر عاجز، ومعلوم أنّ النّبأ إخبار عن عظيم، {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ. عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} النّبأ:1-2، وقال تعالى: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ. أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} ص:67-68.فرغم أنّه متحقّق الوقوع ومؤكّد الحصول، إلاّ أنّ النّفوس الضّعيفة تتحاشاه، وتنكره وتتلافاه، كالوقوف بين يدي الله، والجزاء، والجنّة والنّار، وما في معناه من أمور الغيب الّتي كابر بها أهل مكّة فردّوها وكذّبوا بها: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ. لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} الأنعام:66-67، أي سيقع النّبأ، ويستقرّ أمامكم، كنتم تخالونه طيفًا يتراقص أو خيالاً يتناقص، بل هو واقع بكم فتربّصوا!ورغم أنّ الخبر أقلّ في الدّلالة على المرويات العظيمة، إلاّ أنّه إذا ما كان قريبًا من الحقائق سيقع لا محال أيضًا بحكم التّجربة الّتي لا تخطيء:ستُبْدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهلاً ويأتيكَ بالأخبارِ من لم تزوِّدِفكم من النّاس يظنّ كذبهم قد نجح وزورهم لن يفضح، وأنّ غشّهم يدوم، وأنّ حيلهم تنطلي على النّاس أبد الدّهر، وأنّ سحرهم ظاهر، وأنّهم في الدّنيا أهل الحظوة والقيادة، وفي الآخرة من أهل التّقوى والسّعادة، وفاتهم أنّه {لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ}.ستعلم إذا ما انجلى الغبار أفرس تحتك أم حمارإنّ القيامة والواقعة هي ممّا يستقرّ ويقع دون مِرية، خافضة رافعة، لأنّ الله الحقّ لا يرضى للباطل الخلود، فإنّما هي الأيّام دول! فعمل فرعون استقرّ نبأ هلاكه حين غرق، وأمل قارون استقرّ نبأ حتفه حين دفن بخَسْفٍ، وفي الخير والبشر استقرّ نبأ يوسف في رؤياه، وكلّ مستضعف سيهنأ يومًا بوعد الله.. فلكلّ أجل كتاب، و{لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}.
أستاذ بجامعة المسيلة وإمام ببوسعادة*
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات