قال الحقّ جلّت صفاته: ”وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”، فهذه الآية تذكر لنا صفات من صفات المفلحين، لا يمكن أن ّيتحققّ فلاح فرديّ أو اجتماعيّ دون أن تتحقّق، ويتحقّق بالاتصاف بها المكلّفون، فحواها ومجملها: ”دوام التّناصح والتّذكير، والدّأب على الدّعوة إلى الخير بين المسلمين حتّى لا يجتاحهم دعاة الشّيطان، فيتركوا طريق الله إلى طريق الشرّ والفساد، والمثابرة على الدّعوة سبب الفلاح: ”وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”.وإذا كان بعض المفسّرين قال بأنّ (من) من قوله تعالى: ”منكم” تفيد التّبعيض، أي: بعضكم، على اعتبار أنّ هذه الواجبات مختصّة بالعلماء أو لأنّ في عموم المسلمين من يعجز عنها، فقد يكون المراد من (من) هنا التّبيين لا للتّبعيض كقوله تعالى: ”فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ”، فليس المراد اجتنبوا بعض الرّجس من الأوثان فهذا لا يعقل، وكذلك هنا معنى الآية: كونوا جميعكم أمّة دعاة إلى الخير آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، ذلك أنّ الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كلّ الأمة في قوله ”كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ”، ولأنّه لا مكلّف إلّا ويجب عليه الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، إمّا بيده أو بلسانه أو بقلبه.قال الشيخ سيد طنطاوي رحمه الله: ”وقد ختم سبحانه الآية الكريمة بتبشير هؤلاء الداعين إلى الخير بالفلاح فقال: ”وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” والفلاح هو الظفر وإدراك البغية. أي: وأولئك القائمون بواجب الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هم الكاملون في الفلاح والنجاح، ولا يمكن أن يفلح سواهم ممن لم يقم بهذا الواجب الذي هو مناط عزة الجماعات والأفراد، وأساس رفعتهم وقوتهم وسعادتهم”. فلن تفلح البشرية ولن تفلح الأمّة ولن يفلح الأفراد إلّا أن يسود الخير، وإلّا أن يكون المعروف معروفاً، والمنكر منكراً .. فهذا ترغيب ربانيّ لنا حتى نحرص على الاتصاف بهذه الصّفات والقيام بهذه التّكاليف لنكون من المفلحين.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات