الرئيس يستخدم أجهزة الدولة باسم السلطة في إقلاق عمل المعارضة، والمعارضة بدورها تستخدم متاعب السلطة في نقصان الشرعية ورداءة الأداء وانتشار الفساد في تأليب الشارع ضد السلطة، أو هكذا تتصور رموز السلطة الأمر.والواقع أن المعارضة لا تحتاج إلى جهد سياسي لاستعداء الشعب ضد السلطة، لأن الشعب في سواده الأعظم لا يعادي رموز السلطة ولا يحتاج لمن يؤلبه ضدها، بل الأكيد هو أن المعارضة تلعب دور الراكب المريح والمرآة العاكسة لمآخذ الشعب على السلطة، والأكيد أيضا أن الشعب والمعارضة يلعبان لعبة جيدة مع السلطة لفائدة المعارضة ولفائدة الشعب أيضا.فمن جهة، يثير الشعب القلاقل الاجتماعية والمهنية في وجه السلطة ويطالب بذلك تحسين أوضاعه، فيما تقوم المعارضة باقتناص هذه القلاقل والبناء عليها سياسيا وهي مسألة مشروعة في العمل السياسي للمعارضة. وبالمقابل أيضا تقوم السلطة بالاستجابة القلقة لمطالب الشعب هذه بغرض سحب البساط من تحت أرجل السياسة للمعارضة، لكن وهي تقوم بهذه الخطوة تقدّم خدمة لم تكن في الحسبان، في الوقت الذي تقدّم فيه السلطة من تنازلات أمام الاحتجاجات بأنها إنجازات لصالح الشعب ولصالح شعبية السلطة.والأكيد أن ما يفتكه الشعب من السلطة بواسطة الاحتجاجات المدعومة بضغط المعارضة لا يحسن من شرعية السلطة في عين الشعب، بل يفتح شهية الشعب للمطالبة بالمزيد، ويزيد من متاعب السلطة مرة أخرى أمام المعارضة والشعب. والسلطة المانحة تحت الضغط لا تستفيد مما تمنحه في تحسين سمعتها قدر استفادة المعارضة التي تتبنى هذه الاحتجاجات مع الشعب.الإصلاحات المحتشمة التي تقوم بها السلطة على مضض وتحت ضغط الشعب واستغلال المعارضة في مجالات، كتحسين الحريات الفردية والجماعية وفي المجال الاجتماعي والاقتصادي، تعتبرها المعارضة مكاسب لها أيضا ويعتبرها الشعب افتكاكات من السلطة، فيما تعتبرها السلطة واجبات قامت بها نحو الشعب، لكن الفائدة السياسية لهذه الإنجازات الممهورة بالعنف لا تفيد لا السلطة ولا المعارضة ولا الشعب في تحسين الصورة العامة لبلد يمارس حياته السياسية بصورة طبيعية. فلا يمكن مثلا أن تعتبر إنجازات تحسين صورة السلطة في قضية معالجة الغاز الصخري وتعديل الدستور وفتح الإعلام ورفع العوائق السياسية أمام الأحزاب في العمل السياسي إذا تمت تحت الضغط، أن تكون إنجازات لبلد مستقر، لذلك تبقى السياسة في الجزائر ضائعة في مثلّث تيه السلطة المعارضة والشعب.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات